قناة العرب تيفي
قناة العرب تيفي – عمان – الأردن : ما زال المواطن الأردني (الذي يعيش تحت خط الفقر ، والذي ينتمي الى الطبقة الوسطى المسحوقة) تنتابه حالة من الذهول ، وهو يتابع أكبر تحقيق للاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين الذي عرف باسم ( وثائق باندورا ) ، الذي كشفت فيه الأسرار المالية لثروات وشركات حوالي 35 من الزعماء والسياسيين الحاليين والسابقين، إضافة الى أكثر من 300 مسؤول حكومي، كان نصيب الأردن فيه ثلاث شخصيات هي: ملك الأردن عبدالله الثاني ، واثنان من رؤساء الوزراء السابقين هما:( نادر الذهبي ) الذي بادر الى (نفي )ما كشفه التحقيق ، و ( عبد الكريم الكباريتي) الذي لم (يصرح ) لغاية الان .
رافق حالة الذهول هذه حالة من ( التلعثم ) لدى المواطن وهو يقرأ هذه الأرقام ، وهو الذي لا يجرؤ حتى على التفكير بامتلاك منزل بسيط ( شقة ) ، وأكبر همه ان يستدين مبلغا بسيطا ليكمل مصروف الشهر ، حيث اننا نتحدث عن بلد فقير محدود الموارد ، مستويات الدخول فيه متدنية ، ويعاني عجزا في ميزانيته ، ومديونيته في ارتفاع ، ومعدلات البطالة مرتفعة ، ويعاني بطْئا في الاصلاح ، وغياب الشفافية وتفشي الفساد وسوء استخدام المال العام ، وبيع مقدرات الوطن وخصخصة مؤسسات الدولة بأبخس الاثمان .
وعلى وجه السرعة جاء ( البيان الصحفي ) للديوان الملكي الذي كان غير موفق من جميع المقاييس ، !! وبعيدا كل البعد عن الإجابة الاستقصائية الحرفية على تحقيق استقصائي اشترك فيه 600 صحفي من جميع انحاء العالم يمثلون كبرى المؤسسات الصحفية العالمية ، التي لم توفر جهدا ولا وقتا لاثبات الحقائق عن طريق الاثباتات والبينات ، ولن تسمح هذه المؤسسات الصحفية العريقة بنشر تحقيق غير مكتمل العناصر وموثق به .
وظهر ( البيان ) بصورة هزيلة مستخفا بالعقول ، حيث جاء على مبدأ ( تفنيد ) الحقائق التي كشف عنه تحقيق ” باندورا ” ، مشيرة الى أن الممتلكات الخارجية للملك تم شراؤها حصرياً من ثروته الشخصية وليس من الأموال العامة، ولا يوجد شيء غير لائق بشأن استخدامه لشركات خارجية ، والاجدى من معد البيان ومحامي الملك بعد الاعتراف بأن هذه الأملاك تعود للملك ان يتم تقديم الاثباتات بأنها من حر مال الملك ،( بما انه لا يوجد ما نخفيه ) حسب ما تم ذكره !!..
ليس من العدل مقارنتنا ك(اردن ) لا يمتلك النفط والغاز ، واراضية الزراعية غير مستغلة بالطريقة الصحيحة ، ويعاني شحا بالماء والكهرباء ، مقارنتنا بثروات الدول النفطية ، فنحن بلد يعتمد على المساعدات والمنح الخارجية من الدول العظمى ، واصابه الاضطراب بعد الصراعات الداخلية التي شهدتها الساحة الأردنية في الأشهر الأخيرة ، وبخاصة بعد الكشف عن المخطط التآمري في البلاد الذي يعرف ب “قضية الفتنة” ، ووضع الأمير حمزة قيد الإقامة الجبرية بعد اتهامه بالتآمر، إضافة الى الاستياء من إجراءات مكافحة الكورونا ، واستخدام أوامر الدفاع التي ما زالت سارية حتى الان، الى جانب غضب المواطنين وسخطهم من تصرفات المتنفذين الذين يعدون البلد “مزرعة خاصة ” بهم ، أو كعكة يتقاسمون خيراتها .
التخوف الان في الاردن الذي يحاول فيه المسؤولون ( احتواء ) وثائق ” باندورا ” وعدم طرح الموضوع إعلاميا ، بهدف تقزيمة وعدم إعطائه حجمه الطبيعي يضعنا امام تساؤل : هل الأردن قلق من تداعيات الكشف عن وثائق “باندورا ؟! كما يضعنا امام تساؤل اعظم: هل وثائق بندورا ستعيدنا الى المربع الأول ويعود المواطن الى الشارع ؟! .. وهل سترتفع معها حدة وتيرة الاتهامات التي كان يوجهها الشارع من تساؤلات عن بيع مقدرات البلد لتأخذ منحى جديدا بالمطالبة بمحاسبة المسؤولين وإعادة الأموال وإظهار اين ذهبت أموال الخصخصة؟!!!
علينا أن نتوقف عند الحالة التي وصل اليها المواطن الأردني من عدم التعبير والبوح بما يجول في نفسه ، حيث ان ما يظهر من ردود أفعال من خلال التعليقات واغلبها تحت أسماء مستعارة او للاردنيين القاطنين خارج البلاد ، او التلميح وليس التصريح يدعو الى الوقوف عندها ودراستها لأنها تعبر عن حالة من عدم الرضا لانتشار الفقر وتفشي الفساد ، ونتائجها بالتأكيد لن تكون مرضية.
هذا التحقيق الاستقصائي الأكبر عالميا ، يعطينا مؤشرا الى ان السياسة العالمية تسير نحو انتهاج سياسة جديدة خاصة فيما يخص الكشف عن الفساد وكبح جماح الفاسدين ، حيث بادرت الخارجية الأميركية الى التصريح بأنها ستقوم بإعادة تقييم جميع برامج المساعدات للأردن للتأكد من تنفيذها!!..
ولا يمكننا تجاهل اللقاء غير المسبوق الذي دعا اليه مدير جهاز المخابرات العامة للقاء رؤساء التحرير في الصحف وعدد من كتاب المقالات ، حيث لم تجر العادة للدعوة الى لقاءات جماعية وليس فردية تستمر (اربع ساعات ) لتبادل الحديث ، ومن قبلها عقدت لقاءات ملكية مع الإعلاميين كانت نتائج هذه اللقاءات ان جميع من دعوا تحدثوا بالنفس ذاته!!..
كما علينا ان نتوقف عند العفو الملكي الخاص الذي صدر عشية نشر وثائق ” باندورا ” ليشمل كافة المحكومين بجريمة إطالة اللسان ، والاجدى العمل على وجة السرعة اجراء تعديل على قانون العقوبات وإلغاء المادة 195 التي تنص على تجريم إطالة اللسان وعرضه على مجلس الامة في دورته المقبلة، حتى لا يبقى سيفا مسلطا على الرقاب وحتى تتناسب مع الإرادة الملكية ، وبذلك يطوى (كرت ) إطالة اللسان الى الابد ، ولا يرفع بوجه مواطنين معينين وحسب الظروف .
كما ذكر ملك البلاد هذه الهجمة والاستهداف ليس جديدا على الأردن ، ونحن ( معتادون ) عليها ، وهذا يعيدنا الى عدة احداث ، بدأت بعزل الملك طلال وتعيين الملك الحسين ، وتغيير ولاية العهد من الأمير حسن الى الأمير عبدالله ، وبعدها تعيين الأمير حمزة الى ان تم اعفاؤه وتعيين الأمير حسين وليا للعهد، ومن كان يقف خلفها.
نعلم أن وثائق ” باندورا ” لن يكون لها هذا الأثر الكبير علينا ، خاصة ونحن نتحدث عن دول غير ديمقراطية ، والحكم فيها مطلق كونها بعيدة كل البعد عن الملكية الدستورية القائمة على المساءلة ، الا ان هذه الوثائق جاءت بوقت محرج للملك والمملكة خاصة بعد الإعلان عن ” قضية الفتنة ” واحتجاز الأمير حمزة في قصره منذ ستة أشهر ، وفي وقت زاد فيه الحديث والتذمر من فساد الحاشية والمتنفذين وخروج العديد من قصص الفساد الى العلن والتي شمل بعضها مقربين من القصر ومن العائلة المالكة ذاتها ومن كبار رجالات الدولة .
– البريد الالكتروني للكاتبة : [email protected]
المصدر: قناة العرب تيفي