الكاتبة : سهير جرادات
بعد نشر عدة تسريبات هزت العالم ومنها الأردن، انطلاقا من وثائق: (بنما) التي كشفت تورط سياسيين أردنيين بأعمال غير قانونية من تهرب ضريبي وتبييض أموال عبر شركات عابرة للحدود، ثم تسريبات (أوراق الجنة) المتعلقة بالاستثمارات الخارجية لرؤساء وزعماء في ظلال جنات الملاذات الآمنة، ومرورا ب (باندورا) التي كشفت عن الثروات والممتلكات السرية لملك الأردن، وصولا الى (أسرار سويسرية) التي كشفت عن حسابات ثروة ملك وملكة الأردن .. وفي ضوء الحديث عن أن هناك المزيد من الاخبار والمعلومات والتسريبات التي سيتم الكشف عنها في قادم الأيام .. ماذا ينتظر الأردن؟!
تزامن الإعلان عن جميع هذه الوثائق المسربة مع مرور الأردن في أدق مرحلة حساسة في تاريخه، حيث تنتشر حالة من الاحتقان والإحباط وعدم الرضا بين افراد الشعب الذي يعاني اتساع رقعة الفقر وارتفاع نسب البطالة بين الشباب، فيما شهدت الشوارع الأردنية احتجاجات على الأوضاع الاقتصادية المتردية بعد اجتياح الغلاء في ظل الغنى الفاحش لطبقة في مجتمع معظمه من أصحاب الدخول المحدودة، رافقها ارتفاع في نسبة خرق الخطوط الحمر، وتعالي أصوات مطالبة الملك بالإصلاحات لإنقاذ البلد من سوء الأوضاع الاقتصادية غير مسبوقة .
يعود الفضل ب (فضح ) المستور الى جيمس هنري، المختص في تتبع الأموال العالمية في دول العالم الناتجة عن الفساد والنهب والسرقة، وايضاً ملوك شركات الاوف شور، وخرج بعد دَرس التهرب الضريبي في بنك (كريدت سويس) بأرقام توضح ما نُهب وسرق من أموال شعوب تلك البلدان الفقيرة والتي أرسلت إلى ملاذات آمنة.
القصر (بحسب رأي الأغلبية) لم يكن موفقا في (الإقرار) الذي اصدره بشأن التسريبات التي كشفت عن الأموال التي تخص الملك، وذهب الى أنها محاولات تشهير ، واستهداف حيث ان هذه الأموال (بحسب القَصْر) بعضها موروث عن والده الراحل الحسين الذي وصف حالة الفقر التي عاشها في كتابه ” مهنتي كملك ” لدرجة انه فقد شقيقته الرضيعة التي ماتت من البرد، وأنه كان ( يرقع) قميص الرياضة كون والده لا يملك المال، وبيعت دراجته ب(خمسة دنانير) للتفريج عن الوضع المالي للعائلة، وكيف سَرت والدته الملكة زين عنه بإنه سيأتي اليوم الذي ستقود فيه أجمل السيارات: وهذا ما حصل..
وذهب ( إقرار القصر) بأن أرصدة الحسابات المكشوفة في سويسرا والمتعلقة بالملكة، هي أموال لأبناء الملك كونهم (قُصًّرا) وهم تحت (ولاية) والدتهم (آنذاك) ، وبذلك لم يكن موفقا مكتب الملكة عندما نفى عنها تهمة الإسراف ، وان ملابسها استعارة وهدايا أو بأسعار مخفضة ..
قبل الكشف عن وثائق ( الاسرار السويسرية) تفرغت الحكومة الأردنية وأجهزتها لإجراء عملية حرف البوصلة عن الاتجاه الصحيح و(تشتيت الانتباه) ، وفي خطوة استباقية لمراقبة المعارضين وتهديد مبطن لكل معترض يتجاوز سقف النقد ، عقد مؤتمر للحديث عن ( الأمن السيبراني ) ، في محاولة لتبرئة الدولة نفسها من اختراق هواتف ( قضية الفتنة) وعدد من الصحفيين والإسلاميين والنشطاء في الأردن، وان المملكة (مُستهدفة إلكترونيًّا) ، وأعلن في المؤتمر عن 40 ألف حساب وهمي للشغب وترويج السلبية، مما يشير الى أن الأيام المقبلة ستشهد مزيدا من الاعتقالات وتكميم الافواه، والرد الحكومي جاهزا بأننا ( مستهدفون ومراقبون) وان هناك (حسابات وهمية) منتشرة بيننا ، وكانت الحكومة قد هددت على لسان أحد أعضائها المعارضة الداخلية والخارجية بقولها 🙁 للصبر حدود)
وعشية صدور التسريبات صدر تصريح ناري (تشتيتي) عن رئيس الوزراء خلال وجوده و(أصابته) بفيروس كورنا في العاصمة المصرية: بأن الأردن ومصر مستهدفان من (قوى الشر المؤدلجة السوداوية )!!.. كما نُسب تصريح ( معيب ) لوزير العمل ( نفاه لاحقا نفيا قاطعا) تضمن إعطاء الأولوية للاردنيات في العمل في الملاهي والنوادي الليلية بهدف حرف الأنظار عن التسريبات .
رغم الكشف عن هذه التسريبات إلا أن العالم لم يشهد ثورات ولا رفعت دعوات من قبل من نُهبت اموالهم ( الشعوب المنهوبة) ضد من نَهبوهم، كما لم يشهد العالم دعوى واحدة رفعت من قبل ( الناهبين) على كاشفي هذه الوثائق !!.. وكل ما تم هو (تحجيم) لأنظمة وأشخاص كانوا ( يحظون برعاية ) ، و(كشف) التجاوزات بعد أن كانت تتداول ب(الهمس) وداخل غرف مغلقه ، اصبحت ب(الجهر) وأمام الملأ .. إلا أن هذه (الوثائق) كشفت عن ان الشعوب بدأ صبرها ينفد على سلوك الفساد ، وضاقت ذرعا بأفعال حكامها، خاصة بعد ترجمة الغضب لأن الأموال المنهوبة هي (أموال الشعب)..
بحسب نص ( البند الخامس) من اتّفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد ٤/٥٨ والتي دخلت حيّز التنفيذ عام ٢٠٠٥: على (استرداد الموجودات ) الناتجة عن عمليات النهب والسرقة، والتي صادق عليها ١٩٥ دولة عبر العالم من بينها الأردن، وكان من أوائل الدول التي وقعت على الاتفاقية.
وفي ضوء الحديث عن أن هناك مزيدا من الاخبار والمعلومات والتسريبات عن ثروات سرية جديدة سيتم الكشف عنها في قادم الأيام ، وعن (أنشطة مريبة ) لبعض القادة والزعماء، سينتظرها العالم والأردن منه ، كونها سينعكس على الدول خاصة (الرعوية) من قبل الدول العظمى.
ان هذه التسريبات (هذا ونحن نتحدث عن حساب بنكي واحد فقط) لم تحرج الملك فقط، انما أحرجت الاردن والاردنيين، الذين يُعرف عنهم بأنهم بلد (فقير الموارد) يعتمد على المساعدات والمشاريع و(المعونات الخارجية) والتمويل الممنوح للأردن.
في الختام، نشكر (وثائق بندوزا) و(الأسرار السويسرية ) التي كشفت لنا بأننا (مستهدفون)، رغم جهلنا على ماذا بالتحديد نحن مستهدفون ؟!!!..وأن غايات هذه الثروات هي للانفاق علينا (الشعب)، ومساعدة الفئات الأكثر احتياجا.
– البريد الالكتروني للكاتبة : [email protected]
المصدر: قناة العرب تيفي