الكاتب المغربي الحبيب ناصري : هل لا زال الأجداد يطعموننا ؟

العرب تيفي
2022-04-21T17:39:16+01:00
24 ساعةكتاب العرب
21 أبريل 20221 مشاهدة
الكاتب المغربي الحبيب ناصري : هل لا زال الأجداد يطعموننا ؟
الكاتب : الحبيب ناصري
NASRI HABIB 11 ALARABETV - العرب تيفي Al Arabe TV
فكرة هذا المقال، خلاصة تفكير دائم. نعم خلاصة تفكير دائم في حالنا نحن العرب ككل. دوما أطرح هذا السؤال على نفسي وعلى طلبتي وفي سياقات ثقافية عديدة وأعرج عليه في محاضراتي ومداخلتي وكتاباتي، قائلا، ماذا أضفنا نحن عرب اليوم، لبعض المحطات العربية القديمة والمضيئة في تاريخ العلوم وغيرها؟. ماذا صنعنا اليوم من أفكار علمية وثقافية وحضارية أفدنا بها أنفسنا والعالم ككل؟. هل من الممكن القول إننا لازلنا نعيش على حساب ما تركه الأجداد وفي مجالات عديدة، كالسياحة، التي تشكل اليوم وفي بلدان عربية عديدة، دخلا رئيسيا به نشتري العديد من حاجياتنا الأساسية (الأدوية والطعام والتكنولوجيا والأسلحة التي نتقاتل بها مذهبيا وطائفيا، الخ). إنه سؤال له قيمته، وعلينا دوما طرحه لنحلم بغد أفضل، وهو غد لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال النظر إلى المستقبل والاشتغال عليه كثيرا عوض البقاء داخل الماضي وداخل الصراعات الداخلية القاتلة والمعرقلة لأي تطور علمي حقيقي. فهل فعلا لا زال الأجداد القدامى يطعموننا في زمننا العربي هذا؟.
-حينما تطعمنا العمارة العربية القديمة
لازالت هذه العمارة تفعل فعلها في السائح الغربي، وتجعله يبرمج العديد من الزيارات للاطلاع على ما جادت به قريحة الفكر المعماري العربي من هندسة جميلة وموحية بذوق رفيع. مداخيل مالية وبالعملة الصعبة، تدرها العمارة العربية القديمة على العديد من دولنا العربية. يكفي على سبيل المثال استحضار مدينة مراكش أو فاس، ليتبادر إلى الذهن كيف أن المعمار المغربي القديم لازال يطعمنا من خلال الدخل المربح الذي تحققه القطاعات ذات الصلة بهذا المعمار المغربي. بل حتى البنايات الجديدة المربحة، هي تلك التي تستمد جمالها المعماري مما تركه الأجداد. هندسة معمارية قديمة لازال يحتمي بها المهندس المعماري، وهو يفكر في تصميم مشروع سكني فردي أو جماعي. يكفي أن نتأمل جيدا العديد من أشكال البناء الناجح اليوم، لكي نستخلص وبسهولة أن العديد منه، وإن لم يكن كله، هو مستمد من روح العمارة القديمة سواء كان هذا البناء الجديد في المغرب أو تونس أو مصر أو الخليج، الخ.
-الألبسة العربية القديمة
الشيء نفسه، قد نستخلصه، ونحن نتابع العديد من الصيحات في عالم “المودا” المغربية (كمثال)، حيث العديد منها مستمد من “القفطان” و”التكشيطة” والجلباب، الخ. الشيء نفسه نجده في الأعراس والمناسبات الدينية وغيرها، مما يوحي بأن روح الأجداد لازالت تسكننا وتسكن ألبستنا المغربية (كمثال)، والشيء نفسه نجده في العديد من الدول العربية.
-الطرب
بدوره لازال زادا خصبا “تقتات” منه فنيا، العديد من الأعمال الفنية وفي أصناف فنية عديدة. من الصعب، استحضارها برمتها هنا. يكفي أن نشير إلى الشق الشعبي مثل فنون العيطة وعبيدات الرما والملحون والأندلسي والغرناطي وكناوة والحساني والروايس، الخ، لنتأكد وبالملموس كيف أن جيوبا عديدة امتلأت بالمال بسبب نهلها من هذه الذاكرة المغربية العريقة. هي فنون عديدة في ملكية جماعية، حيث الكل يستوحي وينقل ويستفيد وتتحسن حساباتهم المالية، بفضل هذه الفنون التي تركها الأجداد. فنون تحضر بصيغ عديدة حتى في السينما المغربية، ومن خلال توظيفات فنية عديدة، مما يجعل المتتبع يستمتع بهذا التوظيف الفني والجمالي للطرب القديم في السينما المغربية، كمثال فقط، وإلا فالشيء نفسه نقبض عليه، في دول عربية عديدة.
-الطبخ العربي اللذيذ
لا يحتاج الأمر إلى شهود عيان أو خبراء لكي يحدثونا عن كون الطبخ العربي، لازال مصدر لذة لدى العديد من الناس في هذا العالم. يكفي، وعلى سبيل المثال، أن نذكر بترتيب الطبخ المغربي ضمن الأوائل إن لم يكن هو الطبخ الأول في العالم. فما سر هذه الجاذبية التي يمارسها الطبخ المغربي اليوم، حيث الكل يشيد بلذته؟. بل إن هذا الطبخ المغربي، هو اليوم، مصدر قوي من مصادر ربح المغرب لعملة صعبة لها قيمتها في اقتصادنا المغربي. لنسأل أي سائح زائر للمغرب عن الطبخ المغربي وما يحدثه فيه من أثر جميل وهو يأكل وجبة من وجبات الطبخ المغربي التقليدي؟. أكيد، سيكون جوابه مؤكدا لما قلت هنا.
-الحلي العربي
حلي عربي له مكانة عالمية اليوم، في جذب السائح الأجنبي وغيره. حلي، من خلاله من الممكن حكي العديد من القصص النسائية العربية الجميلة. هو الآخر يدر ربحا ماليا مهما لفائدة الخزائن العربية المالية، بل من خلاله من الممكن القول إننا فعلا كنا نملك ذوقا هندسيا جميلا له العديد من الدلالات التأويلية الجميلة.
-الثقافة العربية
هل من الممكن، تجاوز العديد من المتون السردية والشعرية والقصصية والفلسفية والتاريخية، الخ، العربية التي لازالت هي الأخرى حاضرة وممارسة لسلطتها الفكرية والجمالية الجميلة، على العديد من القراء داخل العالم العربي أو خارجه؟. كيف من الممكن على سبيل المثال تجاوز هذه الكتابات العديدة؟. بدورها لازالت تطعمنا هذه الكتابات بأشكال عديدة، بل من خلالها من الممكن القول إننا فعلا نملك إرثا قابلا للتأويل والإفادة الدائمة.
-الحرف
حرف عربية عديدة لازالت بدورها حاضرة في خريطة الاقتصاد العربي. حرف لها تراكماتها العربية، والعديد منها محط اهتمام مؤسساتي عالمي. مهن بحرية وفلاحية وصناعية تقليدية عديدة، يتأكد بالملموس، أنها اليوم مصدر ربح العديد من الأسر والمؤسسات العمومية والخصوصية، مما يؤكد مرة أخرى “شرعية” الفكرة التي بني عليها هذا المقال. أكيد فهذه الحرف، هي مصدر من مصادر تطوير العديد من الصناعات المرتبطة بهذه الحلي. أشكال ورسومات عديدة توظف في ما يصنع اليوم من حلي داخل أو خارج العالم العربي. وهو ما يؤكد فعلا خصوبة ما كان يبدعه العربي في هذا المجال.
من الممكن، تعداد العديد من المجالات التي تؤكد فعلا أن الأجداد لازالوا يطعموننا بصيغ عديدة، وهو ما يؤشر على كوننا، وفي زمننا العربي الحالي، لازلنا لم نضف إليها إبداعات وعلوم عربية جديدة نموقع بها أنفسنا داخل خريطة التقدم العالمي. أكيد، فالسبب واضح، ويتحدد في كوننا لا زلنا منشغلين بالصراعات الطائفية، ولم نتمكن من دخول العصر الحالي، بل وفي نظر المفكر المغربي عبد الله العروي، لازلنا لم نعش القرن 18 باعتباره عصر أنوار، لأننا غارقين في ظلمة التخلف الناتج عن كوننا لم نصلح تعليمنا بشكل نوعي لنحرر عقل المتعلم وتحفيزه للإبداع، عوض ترهيبه بلغة دينية تمتح من عالم الخوف والترهيب.
الثقافة، مدخل مهم لتحقيق قفزة علمية في سلم النمو المجتمعي العالمي. والثقافة لا تتحقق إلا من خلال ضرورة تحقيق تعليم متقدم، وهو قرار مرهون بيد أهل السياسة، طبعا دون نسيان، أن كافة مكونات المجتمعات العربية، مطالبة بدورها ببذل مجهود كمي وكيفي لحماية وتطوير ثقافتها، عوض تشجيع العديد من النماذج “المؤثرة” التي تخلق نماذج سلبية معرقلة لكل تطور حقيقي فاعل في هذه المجتمعات التي عليها التسلح بثقافة العقل/العلم .
-الحبيب ناصري : كاتب مغربي
المصدر: قناة العرب تيفي
رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.