الكاتب : ادريس رمزي الروكي
قناة العرب تيفي – اسبانيا : عرفت العلاقات المغربية الإسبانية ومنذ قرون وليس لسنوات خصام وتفاهم دائم ومصالح مشتركة ومتناقضة على الدوام باعتبارها علاقات لها مكانة خاصة بين الشعبين الشقيقين , وبما أن التاريخ يسجل كل شيء والذاكرة المشتركة للبلدين تحتفظ بكل شيء فالأزمة الصامتة بين البلدين ليست وليدة اليوم بل كانت دائمة عبر العصور متصالحة في أوقات كثيرة باعتبار البلدين يجمعهما أكثر ما يفرقهما.
لكن الأزمة بين البلدين خرجت للعلن منذ سنة تقريبا بعد القرار المغربي الذي ألغى أو بالمنطق الدبلوماسي أجل القمة بين اسبانيا والمغرب رغم التبرير المشترك الذي عنون على أساس أن التأجيل جاء نتيجة الوضعية الوبائية، فالخبراء في مجال العلاقات الدولية أكدوا أكثر من مرة على أن هناك أزمة حقيقية خانقة ستعصف بالمصالح المشتركة في القريب.. حيث قال حسن بلوان إن “العلاقات المغربية الإسبانية تعيش على وقع أزمات صامتة تتداخل فيها مجموعة من القضايا والملفات والنقاط الخلافية التي كانت تطرح على طاولة الحوارات والمفاوضات المشتركة، وهو ما يفسر تأجيل لقاءات القمة واللجان الثنائية العليا مرات عديدة”.
نعم هي أزمة صامتة بامتياز خرجت للعلن بعد الضجة التي واكبت الاستقبال الاسباني لزعيم جبهة البوليزاريو بوثائق مزورة وأسلوب استخباراتي غير برئ و بدون تشاور مع المملكة المغربية وهو ما اعتبر من طرف الأخير خيانة حسن الجوار وللتنسيق الأمني الدائم بين البلدين الذي عرف ازدهارا وتوافقا خلال العشر السنوات الأخيرة .
الموقف السلبي لمدريد من قضية الصحراء المغربية كان سبب خلافي صامت ودائم لكن الاعتراف الأمريكي الأخير كان بمثابة المسمار الأخير في نعش العلاقات المغربية الاسبانية جعلت المغرب ينتصر انتصارا غير متوقع بعدما كانت اسبانيا دائما ترجع أمر هذه القضية الى مجلس الأمن وتؤكد خفية على أنها مع الطرح المغربي القائم على الحكم الذاتي الا أن كل تلك الشعارات بعد الاعتراف الأمريكي فضحت كل شئ بل وأكدت أن اسبانيا مازالت تعتبر المغرب مستعمرة تابعة لنفوذها ولم تتخلله أبدا عن منطق التعالي في التعامل مع المغرب باعتباره شريك وبلد له استقلاليته وله نفوذه الافريقي الذي عمل مؤخرا على تعميقه بشكل سريع وذكي .
-الرباط تريد انهاء كل الملفات الخلافية جملة وتفصيلا بعد الاعتراف الأمريكي
يتضح جليا أن المغرب غير سياساته الخارجية بشكل كامل وأصبح أكثر شراسة للدفاع عن كل القضايا التي تهم المصالح العليا للبلاد وهنا لا بد التذكير بالتصريح المبطن والغير السليم لوزيرة خارجية اسبانيا حين قالت فيه : أن القرار الأميركي بهذه الطريقة، يدفع نحو مزيد من التعقيد، ولا يخدم مطلقا نزاع الصحراء، لأنه قائم على القطبية الأحادية؛ بينما يفرض النزاع البحث عن حل توافقي، تشارك فيه مختلف الأطراف؛ الدولية والإقليمية، ذات الصلة بموضوع الصحراء.
هنا أدرك المغرب جليا أن علاقته بإسبانيا يجب أن يعاد فيها النظر بشكل كامل خاصة أن الاعتراف الأمريكي كان بمثابة فرصة تاريخية لأوربا وللجارة الشمالية من أجل المصالحة الصادقة مع المملكة المغربية و حل المشكل المفتعل بشكل نهائي الا أن الأمر تجاوز ذلك على اعتبار أن اسبانيا كانت فعليا وفي الخفاء تقوم ضد المصالح العليا للمغرب وتحاول ابراز نفسها شريك حقيقي للمملكة المغربية عبر التسويق للنموذج الاقتصادي الذي كانت فيه اسبانيا وأوروبا دائما الرابحين بشكل كبير جدا وعلى الكثير من الأصعدة كحليف الاستراتيجي وثاني شريك اقتصادي، فيما فرنسا التي اعتبرناها الشريك الحقيقي قد وضعت رأسها كالنعامة وألجمت عن الكلام سواء على الصعيد الرسمي أو غيره وهو ما وضعنا أمام حقيقة مرة أن أوربا مجتمعة تكن حقد دفين للمغرب و افلاسه وتفقيره هو من أساسيات العمل الذي تقوم به اتجاه المملكة
تدرك إسبانيا اليوم وهي التي أدارت، طوال العقد الماضي، علاقاتٍ نموذجية، على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، مع المغرب؛ حليفها الاستراتيجي الجنوبي وثاني شريك تجاري خارج الاتحاد الأوروبي، وفق منطق “الجوار الحذر”، أن سياسة الرباط غضّ الطرف عن الملفات الخلافية أوشكت على نهايتها. فمكاسب الدبلوماسية الناعمة، في السنوات الأخيرة، شجعت المغرب على مطالبة حلفائه بمواقف واضحة. وكان هذا مضمون رسالة غير مباشرة، بعثها وزير الخارجية المغربية إلى مدريد حين صرّح إن المغرب لم يعد يستسيغ المواقف الجافة، ولن يقبل مستقبلا من الدول الحديث عن حلٍّ عادل ودائم بل يريد اعتراف الكامل ونهائي.
-الملك يتحدى الجزائر صنيعة البوليساريو ويربك حساباتها
برغم أن الملك محمد السادس حفظه الله وفي كل خطاباته تجنب ذكر الجزائر ، إلا أن المحللين السياسيين عبر العالم أكدوا أن خطاباته جاءت في مجملها مستهدفًا الجارة الشرقية بلهجة امتلأت بعبارات التحدي، وذلك على خلفية الاعتراض الجزائري الدائم لكل خطوات التي يقدمها المغرب كوسائل لحل الأزمة المفتعلة التي تضر بمصالح المغرب وبدول الجوار.
فالعودة الى الاتحاد الافريقي كقوة اقتصادية وسياسية مشهود لها عبر العالم كان تحدي واضح للجزائر عبر الحضور القوي لجلالة الملك حفظه الله ورعاه للقمة الافريقية وخطابه المؤثر الذي صفق له الأعداء قبل الأصدقاء لمصداقيته وقوته .وبعدها العمل الجبار والمميز للدبلوماسية المغربية بقيادة ملك البلاد عبر العالم الذي نتج عنه اعتراف أمريكي صريح بمغربية الصحراء وهو ما كان بمثابة نهاية قصة بطلتها الجزائر ، لتكون الضربة القاضية بما عرف بالكركارات والتي حاولت الجزائر وصنيعتها لعب اخر الأوراق ليخسر الطرفين وبالضربة القاضية كان اخرها وصول الجيش الملكي المغربي الى الكويرة واعتبارها منطقة حدودية مع الجارة موريتانيا.
هي قصة نجاح للدبلوماسية المغربية بقيادة صاحب الجلالة خطط لها بشكل مميز أبهر العالم وأصبح المغرب اليوم يضرب به المثل في عمله الدبلوماسي بل مدرسة يجب يتدرس فيها علم النجاح السلمي .. اكد هذا العلم أن على بعض الدول أن تراجع حساباتها الضيقة التي لا تقبل أي تفاوض في قضية الصحراء المغربية.
على اسبانيا اليوم أن تدرك أن العلاقات الدولية تحولت من الأستاذ والتلميذ الى علاقات متكاملة متساوية الخاسر فيها دائما سيكون من يفكر بمنطق الأستاذية وخسائره ستكون مضاعفة وبشكل متسارع.
المصدر: قناة العرب تيفي