الكاتب : سهير جرادات
عمان – الأردن : على مدار الاسبوع ، والمواطنون يحاولون البحث عن تفسير لسبب تأخر تنفيذ الحملات الأمنية للقبض على البلطجية والزعران وأصحاب السوابق، وفارضي الخاوات والاتاوات، ولماذا ” التغاضي”عن هؤلاء الخارجين عن القانون كل هذه المدة ، إذ ” تُركوا ” طلقاء في الشوارع لترويع المواطنين ؟! وهل القيام بالواجب يحتاج إلى أوامر ملكية ؟! وما السبب الذي يقف خلف اختيار التوقيت هذا؟!
في البداية علينا تبرئة الفقر من أن يكون خلف ظاهرة البلطجة والزعرنة، حيث إن الفقر لا يعني غياب الاخلاق والبلطجة، ولكنها نتيجة حتمية؛ لغياب العدالة الاجتماعية، والشعور بالظلم، وتفشي الفساد والواسطة والمحسوبية والبطالة، وعدم التوظيف الأمثل للشباب وطاقاتهم.
” الزعران ” ..لهم نظرتهم في ذلك؛ إذ يرون ان ممارستهم “للبلطجة ” لا تختلف عن ممارسات بعض المتنفذين الذين يغتصبون الحقوق ويسرقون أحلام البشر ، إلا أن الفارق بينهم أن المتنفذين “لا يُحاسبون “! ، ويلقون كل الاحترام من المجتمع ، ويتولون المناصب ، ويُمارسون أفعالهم الشنيعة بشراء خدمات البلطجية .. وهنا يتساءل الاردنيون: هل الأمور ستنتهي عند القبض على ” زعران الشوارع “، فيما يُترك ” زعران المكاتب ” من المتنفذين طلقاء؟!!
إذن ، هل هي ثورة على المتنفذين وقصقصة أجنحتهم ـــ تتم في توقيت اختير بدقة مناسبة، قبل أيام من إجراء الانتخابات ـــ وتسريب صور بعض ” الشخصيات النيابية ” الذين تربطهم علاقة مع هؤلاء البلطجية ممن يوفرون لهم الأصوات بالخاوة ، والقيام بأعمال الفتوة والزعرنة لترهيب خصومهم ومؤيديهم، وتمزيق صور المرشحين الضد، وشراء الأصوات بالمال الأسود .
بما إن عملية ضبط “الزعران ” تنحصر في ثلاثة أطراف: الأجهزة الأمنية ، القضاء، المتنفذين الذين يتوسطون للزعران..إذن ، من المُذنب ؟ هل الأجهزة الأمنية تنجز مهامها وتلقي القبض على الخارجين عن القانون، والقضاء هو الذي يخفق في تطبيق القانون ؟! أو هل هناك تستر من قبل الأجهزة الأمنية على فئة الزعران ؟! والسلك القضائي بريء من التهمة ؟! أو أن المشكلة في المتنفذين الذين يفرضون سطوتهم على الأجهزة الأمنية والقضاء بحيث إن قوتهم تفوق قوة القانون والأجهزة الأمنية ؟!
للوهلة الأولى يتبادر إلى الاذهان أن المشكلة تكمن في قصور قانون العقوبات، التي نفتها مفاجأة فجرها نقيب المحامين بأن المشكلة ليست في قانون العقوبات ، فالعقوبات فيه مغلظة ، وعقوبة الإعدام موجودة أيضا ، إنما المشكلة في ” مُطبِّقي ” القوانين والأنظمة- وتشمل جميع الجهات – وحسب القاعدة القانونية ( اعط قانونا جيدا لمطبق سيئ يخرج قانونا سيئا، والعكس صحيح ) ، وأن ما وصلنا إليه هو نتيجة خطأ تراتبي من جميع الجهات المعنية ، فالخطأ في التطبيق يبدأ من المركز الأمني الذي يقبل ( التقارير الطبية الكاذبة) رغم معرفتهم بأنها” كيدية “، وكلنا يذكر حادثة مدير منطقة في أمانة عمان الكبرى الذي واجه عقوبة السجن إثر ” تبلي ” أحد البلطجية بطعن نفسه، ليتحول مُطبِق للقانون إلى مجرم ، ويصبح البلطجي ضحية .
وتستمر المفاجآت ، بما سمعناه من دعوة مساعد مدير الامن العام للبحث الجنائي الأسبق لتصفية أصحاب الاتاوات والزعران المعروفين بالاسم ومكان وجودهم ، فكان العائق أنهم يتمتعون بالحماية من قبل بعض المتنفذين ، والشارع الأردني يذكر إقامة أحد المتنفذين ” غداء مجبرين ” لاحد الزعران مات قتيلا ، وما زال بالذاكرة عرس أحد ” الزعران ” الذي حضره أعضاء من احدى الحكومات وأصحاب رؤوس الأموال وعدد من المتنفذين.
وعلينا أن لا ننسى أن الزعران والبلطجية هم ذراع من الأذرع التي “يُستعان ” بهم في كثير من المهمات ، وفي بعض المظاهرات الاحتجاجية ، كما حصل في ” حادثة المناقل ” في ساحة النخيل حيث ” استُخدِموا ” لاستهداف الصحفيين ، وكذلك على دوار الداخلية فترة ” الربيع العربي “، بحسب اعتراف أحد البلطجية لي ، وأوردت ذلك في مقال معنون ب ” ثرثرة مع بلطجي “.
لم تتوقف سلسلة المفاجآت ، حيث وجه أمين عام وزارة الداخلية السابق الاتهام لمسؤولين بالتواطؤ وتكفيل الزعران والبلطجية ، عندما طَلب منه أحد وزراء الداخلية العودة من منزله ليلا لتكفيل أحد المعتدين على رجال الأمن ، وهذه الرواية بحد ذاتها إدانة!!! كما خرج علينا قبل أعوام احد مساعدي مدير الامن السابقين في مؤتمر صحفي عقد للإعلان عن القبض على عصابة زعران متخصصة في سرقة السيارات ، اذ روى أن سيارته تعرضت للسرقة، وحتى يستعيدها امتثل للعصابة ودفع مبلغا من المال !!.. وهؤلاء الزعران حتى وهم داخل السجن يستمرون بأعمال ” البلطجة ” من خلال أعوانهم الموجودين خارج السجن.. وعلينا أن لا ننسى تلك المناقشة التي جرت تحت “القبة” حول وجود مناطق ” عصية ” على رجال المكافحة!!
رغم أن الاعلام يقوم بدوره في إعداد التقارير والتحقيقات التي تكشف عن البلطجة ، إلا أن النتيجة صادمة ، وفي تجرية شخصية لي ” وُضِعت ” فيها تحت الحماية الأمنية من قبل مدير الامن العام آنذاك ماجد العيطان – رحمه الله – بعد اعداد تحقيق عن فارضي الاتاوات في مجمع سفريات العبدلي ، حيث قام البلطجية ” ببطنجة عجلات ” سيارات أمام مقر عملي في وكالة الانباء الأردنية ، وحضر أحدهم إلى منزلي في اليوم التالي من اطلاق سراحهم عارضين أي خدمات يمكن أن يقدمونها لي – من باب اظهار من الأقوى والأبقى-!!..
وحتى نتخلص من ظاهرة ” الراقصون على القانون ” علينا أن نجد اجابات عن هذه التساؤلات : بحيث نعرف من هم الذين يَفرضون الاتاوات ؟! وما الفرق بين فارضي الاتاوات ، والحكومات التي تفرض ضرائب دون مردود يعود على المواطن؟! ومن هو الخارج عن القانون؟ هل هو الشخص الذي يتحايل على القانون أم الذي لا يطبق القانون .وهل هناك خارجون عن القانون أم هناك قانون خارج عن التطبيق؟!.
-البريد الالكتروني للكاتبة سهير جرادات : [email protected]
المصدرقناة العرب تيفي