محمد بلمو
يبدو أن ما فعله هذا الكائن المجهري في العالم حتى الآن، لا يجب أن نستهين به أو نحشره في زاوية الوباء أو الجائحة التي أصابت العالم الذي سيتخلص منها أو ستقضي عليه وانتهى الأمر. بل لابد أن يعيدنا للتفكير بطريقة أفضل من جهة في أهمية “عامل الفراشة”، في الفيزياء المعاصرة وامتداده لاحقا إلى الفكر والعلوم الانسانية، وأيضا أن يثير انتباهنا لأهمية ‘اللامتوقع”، الذي هزم من خلال هذا المثال مراكز البحوث المستقبلية وفاجأها هي أيضا.
لذلك من المؤكد أن الكثير من الثوابت واليقينيات والبديهيات، ستتعرض للمساءلة بشكل قاس ومثير. فكيف لكائن مجهري مثل فيروس كورونا المستجد أن يربك حسابات وخطط وتقاليد أكبر القوى السائدة في العالم، ويكشف عن ضعف وهشاشة النظام الرأسمالي المتوحش الذي ما انفك يُسوِّقُ لعنجهيته وقوته الزائفة؟ وكيف لنظام التفاهة هذا بلغة ألان دونو أن يستثمر هذه التجربة لصالحه مستقبلا ضد إنسانية الإنسان؟
ثم كيف لهذه الطمأنينة والوثوقية التي استبدت وهيمنت على العديد من الأيديولوجيات والمنظومات الفكرية والممارسات السياسية والسلوكات الاجتماعية أن تستمر وقد زعزع أسسها وخلخل منطوقها ومسكوتها كائن أصغر من أصغر حشرة فوق الأرض؟
وتبعا لذلك، كيف للكثير من المفاهيم والمصطلحات والقيم والتقاليد، أن تصمد لهذا القصف المتواصل في امتحان عسير، على الفكر النقدي أن يتصدى لمعالجة آثاره وامتداداتها في الفكر والواقع معا.
تتداعى الأسئلة بدون توقف، لأننا نعيش بكل تأكيد زمنا تاريخيا فارقا، لا تسعفنا في تفكيكه واستيعاب امتداداته وتحولاته كل الترسانة الفكرية والمفاهيمية التي راكمتها الإنسانية، ما لم نتسلح بالكثير من الجرأة النقدية والمعرفية على حد سواء.
محمد بلمو : كاتب وشاعر مغربي
المصدرقناة العرب تيفي