العراق : الهجوم الانتحاري بمدينة بغداد يكشف ثغرات أمنية تغذيها الجائحة والتوترات السياسية
22 يناير 202191 مشاهدة
الكاتب : محمد بلغريب
قناة العرب المغربية – الرباط : كشف التفجيران الانتحاريان اللذان تبناهما تنظيم الدولة الإسلامية في بغداد ثغرات في الأجهزة الأمنية العراقية المنشغلة الى حدّ بعيد بالتعامل مع تداعيات انتشار وباء كوفيد-19 والتوترات السياسية وتصاعد نفوذ المجموعات المسلحة المتنافسة.
و قالت وكالة الصحافة الفرنسية (أف ب) أنه قتل ما لا يقل عن 32 شخصا وأصيب أكثر من مئة بجروح في تفجيرين انتحاريين الخميس، في اعتداء حصد العدد الأكبر من القتلى منذ ثلاث سنوات في العاصمة التي شهدت هدوءا نسبياً منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية نهاية عام 2017.
ويقول الباحث جاك واتلينغ من “المعهد الملكي لخدمات الأمن والدفاع” في لندن لوكالة فرانس برس، “تنظيم الدولة الإسلامية لم يعد (…)، لكن هناك بعض المشاكل الواضحة جداً في قطاع القوات الأمنية العراقية، وما حدث خير دليل” على ذلك.
بعد الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003، أعيد تأسيس الأجهزة الأمنية من الصفر، وتمت الاستعانة بمدربين من جيوش أجنبية. لكن هؤلاء المدربين غادروا بمعظمهم فجأة بسبب جائحة كوفيد-19.
وانتشر فيروس كورونا المستجد بين عناصر القوات العراقية بسبب انعدام شروط التباعد الصحي خلال التواجد في معسكرات التدريب. في آذار/مارس 2020، أعلن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة بأنه سيسحب المدربين الأجانب.
وذكر مسؤول أميركي كبير في بغداد الشهر الماضي لفرانس برس أن “انخفاض التدريب خلال العام الماضي بسبب كوفيد-19، سبب فجوة هناك”، في إشارة الى العاصمة.
ويرى واتلينغ أن هذا يعني كذلك أن قوات الأمن العراقية فقدت جزءا كبيرا من الدعم الذي كان يقدمه التحالف في مجال المراقبة، أي نوعا من “نظام إنذار مبكر” لعب دورا حاسما في كشف هجمات تنظيم الدولة الإسلامية قبل وقوعها.
وأعلن التحالف الدولي العام الماضي بعد سحب قواته من ثماني قواعد في العراق، أن الجيش العراقي بات قادراً على محاربة فلول الجهاديين لوحده.
خلال الفترة ذاتها، ومع تحسن الأوضاع الأمنية، قامت السلطات برفع حواجز خرسانية ونقاط تفتيش كانت موجودة منذ سنوات طويلة في بغداد. كما حركت وحدات أمنية مهمة لملاحقة خلايا تنظيم الدولة الإسلامية في مناطق ريفية خارج المدن وسلّمت وحدات أقل خبرة مسؤولية الأمن في العاصمة.
ويقول المحلّل الأمني أليكس ميلو إن “تنظيم الدولة الإسلامية كان يبدو أضعف من أن يتمكن من شن هجمات”، لكنه “وجد ثغرة يمكنه النفاذ منها”.
وأعطى المسؤول العسكري الأميركي أمثلة على ذلك. في كانون الأول/ديسمبر، اضطرت قوات التحالف الى تنفيذ ضربة جوية قرب الموصل (شمال) بعد أن سمح تراخي القوات العراقية على الأرض للجهاديين بالعودة الى التحرك.
وقتل في الضربة 42 جهادياً، وهو عدد كبير في ظروف تواجد قوات برية في المكان.
وأشار المسؤول الأميركي إلى أن “قادة كبار في بغداد كانوا غاضبين جداً من القوات المحلية، لأنه كان عليها أن تعرف بأمر تجمع الجهاديين”.
لكن التحدي الأساسي قد لا يكون تقنيًا فقط. إذ تـتألف قوات الأمن العراقية بشكل رئيسي من الجيش والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي. والحشد الشعبي عبارة عن تحالف فصائل شيعية أدمجت مع القوات الأمنية بعد 2014.
وعدد كبير من هذه الفصائل مدعوم من إيران، الآمر الذي ولد عدم ثقة بينها وبين القوات التي تدربت على يد التحالف.
وتزايد التوتر بين الطرفين بعد مقتل رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهدي، بضربة جوية نفذتها طائرة أميركية مسيرة مطلع العام الماضي.
ويرى واتلينغ أن “التوتر الحقيقي سياسي”. ويوضح “خلال القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، كان هناك كثير من تبادل المعلومات غير الرسمي بين الحشد والتحالف والآخرين، لكن هذا لم يعد موجوداً”.
ويشكل العمل في ظل هذه التوترات تحدياً كبيراً بالنسبة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يُنظر إليه على أنه مقرّب من الولايات المتحدة.
وتولى الكاظمي رئاسة الحكومة بعد شغله منصب رئيس جهاز المخابرات في البلاد. واعتمد بشكل رئيسي على جهاز مكافحة الإرهاب الذي تلقى تدريباته على أيدي القوات الأميركية لملاحقة الخلايا الجهادية واعتقال مسؤولين فاسدين والحد من هجمات الجماعات المسلحة التي تطلق صواريخها في اتجاه السفارة الأميركية.
ويرى مراقبون أن الكاظمي يثق بعدد محدود جداً من القوات الأمنية، ما اضطر قوات مكافحة الإرهاب الى خوض مواجهات غير مرغوب بها ضد الفصائل الموالية لإيران انتهت أحيانا بتراجعها.
ويقول الباحث مارسين الشمري في معهد بروكينغز إن “التراجع المستمر عن الأوامر والاعتذار للجماعات المستهدفة لا يؤدي إلا الى إضعاف قوات مكافحة الإرهاب والقائد العام والحكومة العراقية”.
ودفع اعتداء الخميس الكاظمي الى إجراء تغييرات في قيادات أمنية، وتسمية قادة جدد بينهم قادة عمليات بغداد والشرطة الاتحادية واستخبارات وزارة الداخلية المعروفة ب”خلية الصقور”.
ويأمل الكاظمي أن تساهم هذه التغييرات بمعالجة الثغرات. لكن مراقبين يشككون في إمكانية تحقيق ذلك، لأن المشكلة قد لا تكون فعلا على مستوى القيادة.
ويقول واتلينغ “عندما تتعامل مع بيروقراطية فاسدة، لا أحد نظيف”.
في هذا الوقت، استكملت العائلات الجمعة دفن ضحايا اعتداء الأمس الذي أعاد الخشية الى قلوب البغداديين من عودة التفجيرات الأمنية التي شهدوها خلال مراحل عدة منذ العام 2005.