الكاتبة : سهير جرادات
على مدى أحد عشر يوما تابعنا المواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحامات المسجد الأقصى وأحداث العدوان على غزة المحرجة للأردن، الذي يتولى دور الوصاية على الأماكن المقدسة ، وما أظهرته من محدودية قدراته في الدفاع عن الأماكن المقدسة، وفقدانه لأوراق الضغط والتأثير على الولايات المتحدة وإسرائيل، وبالتالي تعرض الموقف الأردني الرسمي للانتقاد شعبيا ، حتى أصبح الأمر مقلقا جراء تهديد إسرائيل ل “الوصاية الهاشمية” على المقدسات، ولسياسة الضغط الذي يمارس عليه عبر ورقة “الوصاية”، في محاولة من الكيان الصهيوني للضغط على الأردن وانتزاع موافقته على ضم الضفة الغربية والأغوار.
بدا الموقف الأردني ضعيفا ، في ظل العلاقات المتردية مع بعض دول الخليج ، وتخلي العديد منها عن تقديم الدعم والمساندة المالية للأردن، هذا إلى جانب قلق الأردن على ( مصير )الوصاية ، في ضوء عدم اعلان الجانب الفلسطيني عن موقفه من الوصاية الهاشمية ، عدا عن الاتفاقية الأمنية الأردنية ، التي تقدم بموجبها أمريكا للأردن مساعدات ، مما يصبح من الصعوبة أن يتخذ الأردن إجراءات عقابية ضد إسرائيل كقطع العلاقات الدبلوماسية وطرد السفير وتعليق اتفاقية الغاز، لأن ذلك سيعرض الأردن لعقوبات أمريكية ووقف المساعدات عنه، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعانيها الأردن .
وعند الحديث عن الوصاية الهاشمية ، نعود إلى الموقف الأردني الذي ينطلق من أن القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وهي أرض محتلة والسيادة فيها للفلسطينيين، وتمارس المملكة الأردنية الهاشمية مسؤوليتها بموجب عقد شرعي يعود لعام 1924 ، إذ بايع فيه أهل فلسطين والقدس ، الشريف الحسين بن علي بالوصاية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية .
احتفظ الأردن بحقه في الإشراف على الشؤون الدينية في القدس بموجب اتفاقية “وادي عربة” للسلام، التي وقعها مع إسرائيل عام 1994، والتي نصت (المادة 9) منها على “احترام إسرائيل للدورالأردني في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس ” ، ليأتي الاعتراف بالوصاية الهاشمية من الدولة المحتلة قبل أن تعطي السلطة الفلسطينية المملكة بموجب اتفاقية أبرمت عام 2013 ، حق الوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات في فلسطين ، وحتى عندما تم إعلان قرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية عام 1988، تم استثناء القدس من القرارحتى لا تقع في الفراغ، او يتسلل لها الاحتلال.
إلا أنه مع الوقت ضعفت معاهدة السلام وتراجعت أهميتها ، وبالتالي تراجعت العلاقات الدبلوماسية بين الأردن وإسرائيل خاصة بعد ( هرولة ) العديد من دول الخليج للتطبيع مع إسرائيل ، مما أفقد الأردن دور الوسيط بين إسرائيل ودول الخليج ، وتبدلت الأحوال ، وأصبح الآردن يسعى إلى الحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل حفاظا على كيان الدولة وحماية حدودها .
والأمر لم يتوقف عند ضعف العلاقات الأردنية – الإسرائيلية ، بل أصاب الضعف الدور الأردني في فلسطين بعد دخول أطراف خليجية على خط القضية الفلسطينية ، ووصل الأمر إلى ( تنافس ) بعضها على دور الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس .
وعند تتبع قضية حي الشيخ جراح الذي تم بناءه عام 1956 بمبادرة أردنية ، وهي قضية سياسية بحتة ومعقدة ، حيث إن الأرض جاءت بتبرع من الحكومة الأردنية، التي بنت 28 وحدة سكنية بتمويل من وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين لعوائل لاجئة مهجرة إثر النكبة في العام 1948 ، مقابل تنازلهم عن بطاقة الاعاشة ( كرت المؤن) ، وتنازلهم عن حقهم في الحصول على مساعدات معيشية تموينية وتعليمية وصحية كانت تقدمها وكالة الغوث لهم مقابل الحصول على المنازل ، على أن يتم نقل ملكية هذه المنازل وتسجيلها باسم العائلات بعد ثلاث سنوات على استلامها ،وبعد دفع البدل ، ولكن لم يتم ذلك نتيجة احتلال المدينة في العام 1967 .
ورغم أن البيان الصحفي الذي أفصح فيه نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية ايمن الصفدي أن الأردن سلم الأهالي الوثائق المطلوبة ، لكنها بحسب الأهالي غير كافية، ولا تثبت ملكيتهم للأراضي والعقارات التي يقيمون فيها ، لذا ناشد الأهالي ولجنة الحي إعلاميا وبمطالبات رسمية الحكومة الأردنية تزويدهم بإقرار إقامة وحدات سكنية ، إلى جانب تسليمهم باقي الاتفاقيات المبرمة مع الأهالي ، حيث تم تزويدهم من اصل ( 28 اتفاقية) ب ( 14 اتفاقية ) مدون عليها بخط اليد “مستأجرين “..!!
ومع سعي الأهالي لاثبات حقهم بملكية المساكن ، كانت الجمعيات الاستيطانية تدعي ملكيتها للأرض ، وشرعت بوضع اليد علي العقارات ، وسجلت المنازل مناصفة باسماء الجمعيتين ( جمعية اليهود الشرقيين وجمعية كنيست يسرائيل )، وملاحقة سكان الحي لاخلاء منازلهم واقتلاعهم من الحي بدعوى الاعتداء على املاك الجمعيتين ، كما أن إسرائيل لجأت إلى السلطات التركية لتزودها بالوثائق التي تثبت ملكيتها لأراضي الحي ، إلا أن السلطات التركية أفادت بانه لا وجود في الأرشيف العثماني ما يثبت تسجيلها باسم الجمعيات الاستيطانية .
وفي استعراض لما حدث في القدس والنزاع على ملكية أراضي حي الشيخ جراح ، والوثائق التي قيل أن الأردن افرج عنها مؤخرا ، والسؤال الذي يطرح نفسه : هل ما يحدث هناك في القدس له علاقة بالتهمة الموجه لباسم عوض الله ؟! المتهم بشراء أراض في القدس لبيعها للعدو !! .. من الواضح أن الأمور مرتبطة ببعضها بعضا ، كما لا يمكن تجاهل الاتفاقية الامريكية الأمنية التي تم تجديدها مؤخرا ، ومنحت بموجبها الجيش الامريكي حرية التنقل على الأراضي الاردنية ، وحمل السلاح، ويمكننا أن ندقق أكثر بالتغريدة التي كتبها وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم التي يشير فيها صراحة إلى صفقة بيع أراضي القدس وماحولها إلى جهات سلمتها إلى جهة أخرى دون أن يحددها ولكنها معروفة ضمنيا ، وعلينا أن نربطها أيضا بالزيارة المعيبة لرئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة الذي قيل في خبر أنه يحمل رسالة ملكية ، وفي خبر آخر أنه في رحلة (استجمام ) ، إلى جانب تغيبه عن المشهد الذي قد يكون ( مقصودا ) في أحداث القدس ، كما كان ( مقصودا ) في قضية الفتنة ، وغيابه عن الساحة والتزامه الصمت رغم محاولته في كل مرة أن يظهر بلاغته اللغوية .. وبالتأكيد علينا أن ننتظرالمقبل من الأيام التي ستكشف لنا عن خفايا الأمور وخباياها، وارتباطها بمصير الوصاية الهاشمية التي ننتظر بفارغ الصبر مصيرها!!!
– البريد الالكتروني للكاتبة : [email protected]
المصدرقناة العرب تيفي