الكاتب : حميد المرزوقي
يكتسي موضوع الوحدة الترابية المغربية أهمية خاصة، لأنها قضية ملك وشعب لانها امتداد طبيعي لثورة الملك والشعب، وهي الآن كما في خريف كل سنة تتميز براهنية خاصة، نظرا للتفاعلات التي تعرفها أروقة الأمم المتحدة وبالأخص اللجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة المتعلقة بتصفية الاستعمار.
وللاحاطة بهذا الموضوع من كل جوانبه سنتناوله من خلال المحاور الأربعة التالية:
المحور الأول: الإطار التاريخي لمسألة الصحراء المغربية.
النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية هو من مخلفات المرحلة الكولونيالية الاستعمارية التي تمتد إلى القرن التاسع عشر حيث أن الإحتلال الإسباني لها لم يكن في إطار معاهدة الحماية 30مارس1912 وإنما كان قبل ذلك ب 32 سنة اي في إطار مؤتمر برلين المنعقد في 1880 لتوزيع أفريقيا وتقسيمها بين دول أوربا الاستعمارية انذاك ونخص بالذكر فرنسا، إسبانيا، إنجلترا، إيطاليا والبرتغال، إذ بمقتضى هذا المؤتمر تم احتلال الصحراء المغربية “الساقية الحمراء ووادي الذهب” وبعد ذلك بسنة تم احتلاا تونس في سنة 1881 وترسيم احتلال فرنسا للجزائر التي سبق لها وان احتلتها في 1830، ولقد كان من أهم اسباب تأخير احتلال المغرب هو أنه كان ما يزال يتوفر على قوة عسكرية قادرة على صد الأعداء والاطماع، وبذلك تم تأجيل ذلك إلى حين توفير الظروف الملائم، التي تم إقرار تهييئها بشكل ذكي وفق مخطط موضوع باحكام لاضعاف سلطة المخزن، عن طريق إضعاف سلطة القائد والباشا وذلك بسن نظام الحمايات التي تعطى للاعيان في المدن والبوادي والتي تخولهم اعفاءات من ضريبة الترتيب او ضريبة”الأذن” التي كان معمول بها وهو ما خلق فئتين من الرعايا، رعايا تفرض عليهم الضرائب في البوادي والمدن وهم مواطنون من الدرجة الثانية ورعايا محميون بحمايات فرنسية وإسبانية وانجليزي يعفون بمقتضاها من أداء الضرائب، وهو ما خلق تمييزا واضحا بين الرعايا المحميين والرعايا الغير محميين بعدما كانت سلطة المخزن توحدهم، هذا الوضع تضررت منه بشكل كبير سلطة المخزن لأنه أعفى عددا كبيرا من المواطنين من أداء الضرائب وأدى على امتداد ثلاتة عقود متتالية، إلى إضعاف القواد والبشوات باعتبارهم كانوا يمثلون الإدارة الجبائة الموكولة لها من طرف السلاطين جمع الضرائب، وبالرغم من الإصلاحات التي كان يطالب البعض في بداية القرن العشرين الرامية الى تحديث الدولة المغربية كاقتراح دستور 1908 فقد كان مؤتمر الجزيرة الخضراء 1906 قرر الانتقال إلى السرعة النهائية لفرض الحماية على المغرب التي ساعد عليها مسلسل إضعاف سلطة المخزن التي خرت قواه في فاس على إثر ثورة الحرفيين الذين استشاطوا غيضا من حيف إعفاء العيان والوجهاء المحميين من الضرائب وفرضها بالقوة على الحرفيين والضعفاء… من هنا يتضح ان مؤتمر برلين قضى باحتلال الصحراء المغربية وخطط لاضعاف سلطة المخزن الذي سينهار بعد 32سنة وهو مرغم على التوقيع على معاهدة الحماية في 30مارس 1912.
إن تعمدي صرد هذه المعطيات التاريخية الهامة كان بهدف توضيح أن تصفية الاستعمار الحقيقية هي التي خاضها المغرب في إطار ثورة الملك والشعب وأن ما يقوم به أعداء وحدتنا الترابية سواء في إطار اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار التي وضع فيها هذا الملف كذبا وبهتانا واحتيالا على الشرعية التاريخية، التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان الصحراء مغربية حيث يكفي الرجوع الى الخرائط المتداولة في مؤتمر برلين أو التي تتوفر عليها السلطات الفرنسية والمتعلقة بالمرحلة الكولونيالية لإثبات ذلك.
المحور الثاني:الإطار الجيواستراتيجي لمسألة الصحراء المغربية ؛
جيواسراتيجيا تقع مسألة الصحراء المغربية في تقاطع بين مقاربتين دوليتيين وهما: مقاربة الفوضى الخلاقة التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية عبر العالم والتي تتمثل في خلق بؤر تؤثر في مناطق مختلفة من العالم لتستفيد منها في بيع الأسلحة وضمان زبناء دائمين لصناعتها الحربية التي تعتبر إحدى الدعائم الأساسية للاقتصاد الأمريكي،
أما المقاربة الثانية فتتمثل في مقاربة الإتحاد الأوربي في إفريقيا التي تعتبرها مجالها الحيوي “espace vital” إذ انه ومنذ اتفاقية روما 1957 التي بموجبها تم خلق مجموعة الدول الست للفحم والفولاد، التي انتقلت الى المجموعة الاقتصادية الأوربية في بداية سبعينات القرن الماضي ثم إلى الإتحاد الأوربي بمقتضى اتفاقية ماخسرستش سنة 1992 والتي تم فيها اقرار حرية انتقال الأشخاص والأموال بين دول الاتحاد وتوحيد العمل بعملة الأورو، وفي مقابل هذا الاتجاه الوحدو ي الأفقي في القارة الأوربية، تم إقرار اتجاه عمودي في القارة الافريقية يقضي بربط علاقات اقتصادية فردية مع كل دولة يكرسه تناثر بؤر التوثر في كل القارة الإفريقية ويمنع بل وينسف اي تكامل أفقي بين الدول الأفريقية المقسمة لخمس مناطق بشكل يخدم الاستراتيجية الأوربية في إفريقيا الهادفة إلى ربط علاقات عمودية بين الاتحاد الأوربي وكل دولة أفريقية على حدة، بل انه حتى تقسيم القارة الإفريقية إلى خمس مناطق هو لاغراض سياسية محضة، لا علاقة لها بتنمية إفريقيا بل انها احيانا تقف حجر عثرة في وجه تكامل الاقتصاديات الأفريقية كما يقع للمغرب الان الذي توضع أمامه عدة عراقيل لانضمامه إلى مجموعة دول أفريقيا الغربية.
المحور الثالث: توظيف ملف حقوق الإنسان في مسألة الصحراء المغربية
ملف حقوق الإنسان من أهم الملفات التي اعتاد أعداء وحدتنا الترابية يوظفونه سواء مرتزقة البوليساريو أو اذنابهم انفصاليي الداخل الذين هم عبارة عن مجموعات تنتمي لجمعيات غير معترف بها اسست بشكل غير قانوني حيث اعتاد هؤلاء في شهر أكتوبر من كل سنة رفع وثيرة تحركاته في الداخل او في أروقة الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة للضغط على أعضاء اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار لاتخاد قرارات مناوئة للمغرب من قبيل توسيع صلاحيات بعثة المنورسو لتشمل حقوق الإنسان، إلا أن يقظة الدبلوماسية المغربية كانت تقف دائما في وجه هذه المخططات المكشوفة، وقد تطور هذا الأسلوب انطلاقا من العشرية الأولى من الألفية الثالثة، خاصة بعد تأسيس تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان المعروفة ب”codesa” الذي لعب دورا كبيرا في تفاعلات مخيم “اكديم ازيك” حيث ضغطت بقوة للدفاع عن جرائم المتورطين في قتل أفراد من القوات العمومية العزل بدم بارد، وهي جرائم تدخل في نطاق الحق العام ولا علاقة لها بحقوق الإنسان. وخلال هذه السنة طفت وبقوة قضية الصحفي عمر الراضي الذي حاولت تبني ملفه منظمة ” هيومن رايتس ووتش” التي ألفت توظيف كل القضايا المحسوب على حقوق الإنسان للتشكيك في مصداقية المغرب ونزاهة سلطته القضائية.
المحور الرابع : انفصاليي الداخل ومسألة الصحراء المغربية ؛
اعتاد انفصاليو الداخل ومنذ مطلع الألفية الثالثة افتعال قضايا مشبوهة تحت طلب مرتزقي البوليساريو لمساندتهم في مساعيهم الرامية الضغط على المنتظم الدولي في شهر أكتوبر من كل سنة، لاستصدار قرارات مناوئة لمصالح المغرب ولقد لعبت عدد من الوجوه المعروفة؛ كداداش، وعلي محمد سالم التامك، والمتوكل، وعمر بولسان، والعربي مسعود، وامينتو حيدر، وخديجتو الموثوق وغيرها من العناصر المغرر بها لتبني بعض المواقف المشبوه تزامنا مع الحملات التي تنظمها قيادة مرتزقة البوليساريو كل سنة التي من خلالها يحاولون النيل من مصداقية المغرب ومقترحاته التي تحضى باحترام المنتظم الدولي.
وفي هذا السياق نسجل مناوشات الانفصالية امينتو حيدر هذه السنة التي قامت بمبادرة منها وفي استهتار تام بأبسط مقتضيات قانون الحريات العامة وقانون الجمعيات وبالأخص الفصل الثالث منه عن فسخ تجمع الكوديسا “codesa” والاعلان عن تأسيس “الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي” والتي كان موضوع توضيح للسلطة القضائية المختصة التي اعتبرت هذه الهيئة غير قانونية ولاغية بقوة القانون.
إن هذه المناوشات الداخلية او الخارجية التي تهدف النيل من مصداقية المغرب ومصالحه الاستراتيجية بحاجة اكثر من اي وقت مضى إلى تعبئة وطنية شاملة وتوحيد صفوف كل القوى الحية للمغرب وبالأخص الاحزاب السياسية والهيئات النقابية والحقوقية وجمعات ومنظمات المجتمع المدني للتصدي بقوة لأعداء وحدة المغرب الترابية ومساعدة الدبلوماسية الرسمية بدبلوماسية موازية ووازنة ومنظمة قادرة على مجابهة هذه المؤامرات الدنيئة والبئيسة والتي تنطفئ شرارتها كلما ووجهت بقوة داخليا وخارجيا.
-الدكتور حميد المرزوقي باحث في علوم وتقنيات التدبير
المصدرقناة العرب تيفي