العرب تيفي : محمد بلغريب
القاهرة – وسط حضور الآلاف من المشيعين، وري الثرى اليوم السبت جثمان الراحل السلطان قابوس بن سعيد، الذي توفي مساء أمس، فيما نعى نبأ رحيله ملوك ورؤساء الدول العربية والأجنبية بكلمات مؤثرة، استحضرت مناقب الراحل،مذكرة بأن الأمة العربية فقدت زعيما حكيما لعب أدورا مهمة في تاريخ الأمتين العربية والإسلامية.
وأعلنت دول مصر، والأردن وقطر، والكويت والإمارات، والبحرين، وفلسطين اليوم الحداد 3 أيام، ونعيها الراحل.
وأكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس أن سلطنة عمان ومعها الامة الإسلامية، فقدت برحيل السلطان قابوس، “قائدا كبيرا وحكيما حقق لبلده نهضة شاملة وإنجازات اقتصادية وسياسية هامة، مكنته من أن يتبوأ مكانة متميزة عربيا وإقليميا ودوليا، وأهلته للاضطلاع بدور فاعل في توطيد جسور التضامن العربي والإسلامي، وترسيخ نهج الحوار والسلام والاعتدال”.
وجاء في بيان للرئاسة المصرية أن “الأمة العربية فقدت زعيما من أعز الرجال، (…) قائدا حكيما منح عمره لوطنه ولأمته، وزعيما عربيا سيسجل له التاريخ أنه رمز لقوة ووحدة سلطنة عمان على مدار نصف قرن”.
ونعى قادة دول مجلس التعاون الخليجي من جهتهم السلطان قابوس، مبرزين أن الأمة العربية والاسلامية، فقدت زعيما من أبرز وأخلص أبنائها، أعطى الكثير لشعبه وأمته ووهب حياته دفاعا عن قضاياها بصدق وإخلاص وتجرد.
من جهته، أكد أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، أن الأمة العربية فقدت بوفاة السلطان قابوس “حاكما من طراز نادر، دأب خلال فترة حكمه على تبني خط مستقل لبلاده جنبها الكثير من الأزمات والصراعات التي اعتصرت المنطقة”.
بدوره، أكد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، يوسف بن أحمد العثيمين، أن الراحل يعد “مؤسس النهضة الحديثة لسلطنة عمان وقائد مسيرة حافلة بالإنجازات والعطاء والبناء”.
أما أمين عام مجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف بن راشد الزياني، فأكد أن الراحل “كان قائدا فذا، أخلص لعمان وشعبها، وقاد مسيرتها التنموية بكل حنكة وحكمة، وعزيمة صلبة، وسخر جهوده ونذر حياته لتحقيق نهضة تنموية طموحة”.
وعبر رئيس الوزراء الياباني شينـزو آبي، عن بالغ الأسى والحزن في وفاة السلطان قابوس بن سعيد، مبرزا أن الفقيد تمكن منذ توليه مقاليد السلطة من بناء أمة تجمع بين الحفاظ على العادات والتقاليد والحداثة، وساهم في تحقيق التنمية المستدامة للسلطنة، كما ساهم بشكل كبير في تحقيق السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
ونعى وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، سلطان عمان الراحل قابوس بن سعيد قائلا: “كان يحظى باحترام كبير، وعمل على تعزيز السلام والاستقرار في بلاده والمنطقة”.
وكان السلطان قابوس قد تولى الحكم عام 1970، خلفا لوالده السلطان سعيد بن تيمور، ليبدأ البلد الخليجي مرحلة جديدة في تاريخه، اتسمت ببدء نهضة شاملة وبناء دولة حديثة انضمت لمنظمة الأمم المتحدة ليستمر ذلك الشاب ابن الثلاثين عاما حينها في قيادة بلاده لنحو نصف قرن في واحدة من أطول فترات الحكم في العالم.
ولد السلطان قابوس يوم 18 نونبر 1940، في مدينة صلالة بمحافظة ظفار، وكان الابن الوحيد الذكر لوالده سليل الأسرة الحاكمة لسلطنة عمان منذ منتصف القرن الثامن عشر، وسابع سلاطينها، لديه أخت واحدة أيضا هي الراحلة أميمة بنت سعيد، ووالدته الراحلة هي ميزون بنت أحمد بن علي المعشني الحكلي القحطاني.
وبعد رحلة للتعليم خارج البلاد، عاد الإبن الوحيد للسلطان سعيد بين تيمور، إلى بلاده، وكانت السلطنة حديثة العهد بالاستقرار بعد نزاع مسلح مع “دولة إمامة عمان” التي كانت قائمة في الجبل الأخضر الواقع بالمنطقة الداخلية للسلطنة حتى العام 1959 قبل توحيد البلاد بحدودها الحالية.
وبعد عام واحد فقط من عودة السلطان قابوس، واجهت سلطنة عمان تمردا مسلحا جديدا في منطقة ظفار، فشل والده على مدار خمس سنوات في إنهائه، ليقوم قابوس بتولي الحكم في 23 يوليو عام 1970.
وتمكن السلطان قابوس بعد نحو خمس سنوات في الحكم، من حسم الصراع المسلح مع ظفار لصالحه، ليبدأ تركيزه على تحديث البلد الذي أنهكته الحروب الداخلية. وانتهج السلطان قابوس بادئ الأمر سياسة التحالفات مع دول المنطقة لحسم الصراع المسلح في ظفار، ليتبنى بعدها سياسة الحياد وبناء علاقات وثيقة مع جميع الدول، بما فيها دول الجوار.
وفي العام 1971 انضمت سلطنة عمان إلى منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، فيما عكف سلطانها على الاستفادة من عائدات النفط الحديث العهد في البلد الخليجي، لتنمية الخدمات في جميع مناطق البلاد.
وخلال حكم السلطان قابوس الذي اتسم بالاستقرار، عرفت السلطنة إطلاق عدة مشاريع تنموية من طرق ومستشفيات ومدارس وجامعات ومصانع والكثير من مظاهر الحياة الحديثة التي كانت تتمتع بها الدول المجاورة الأخرى منذ سنوات طويلة.
وبإجماع المراقبين والمهتمين، اضطلعت سلطنة عمان في عهد الراحل بدور كبير في الوساطة في النزاعات التي شهدتها المنطقة، لاسيما الأزمة بين طهران وواشنطن من جهة، وبين طهران ودول الجوار، وأضحت السلطنة بذلك كضمانة لأمان واستقرار المنطقة.
وفي هذا الصدد، قال السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، إنه بوفاة السلطان قابوس فقدت الدبلوماسية العربية أحد عقلاء الأمة العربية حيث كان يلعب أدورا دبلوماسية متزنة في القضايا والخلافات بين الدول، مستحضرا بالخصوص مواقف الراحل أثناء المقاطعة العربية لمصر خلال توقيع اتفاقية كامب ديفيد.
وأضاف بيومي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن السلطان قابوس رغم رحليه إلا “أنه أرسى دعائم الحكم على الإستقرار والسياسة الخارجية المتزنة الحكيمة”، مؤكدا أن سلطنة عمان شهدت في عهده نهضة اقتصادية حقيقية.
وفي سياق متصل، قال المحلل السياسي طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن فترة حكم السلطان قابوس بن سعيد “انفردت بتميز عربي كبير حيث كان يميل إلى “الحياد الإيجابي” تجاه القضايا العربية والإقليمية”.
وأضاف في تصريحات مماثلة، أن سياسة السلطان قابوس تميزت بالحنكة والخبرة حيث مارس دور الوساطة بشكل أكبر مع طهران وواشنطن من اجل تقريب وجهات النظر بينهما وهو ما ساهم بالفعل في إبرام الإتفاق النووي.
وتابع أن السلطان قابوس نجح في النأي ببلاده عن الصراعات وسط التحديات التي تواجهها المنطقة.
المصدرصحيفة العرب تيفي - و م ع