ذ سلام بكوري
دفعني فضول خفي لمعرفة ما يضمه معرض باب الكبير بقصبة الأوداية للفنان البيروفي كوكو موراليس.
للوهلة الأولى.. يستدعيك سحر الأشجار بكافة أطيافها وأشكالها ترتدي الألوان الحارة الملتهبة والباردة الهادئة القرميزية… إنه احتفاء باللون …الكائن النباتي.
تنتصب أمام الزائر لوحة موضوعها شجرة متوحدة في عزلتها.. لكن اللون يضفي عليها البهجة والألفة… في الفضاء العام للوحة، ولوحة أخرى تضم خمس شجيرات تعانق الخيال بألوانها العميقة والغريبة ولوحة تضم غابة صغيرة على شكل شجرة باسقة لكن لونها الأسود المهيب يشد الزائر بهندسته إلى أغوار سحر الخيال… يحس كما لو كان يتجول وسط هذه الغابة في ليل بهيم يجد الزائر أيضا لوحة يقتصر موضوعها على أشجار عارية من الأوراق مجرد فروع لأغصان… لم تصل إلى منتهاها في تخوم اللوحة… بألوان باردة مزهرة كأشجار اللوز.
يركز الفنان كوكو موراليس على إبراز اللون غير عابئ بالطبيعة المتجلية من حوله… يجعل خيال الزائر يسبح جانحا متسائلا هل يمكن لهذا الكائن اللون.. الشجرة.. أن يرتدي ويتقمص كل هذا الزخم من الألوان الأحمر الدامي والأصفر الفاقع والأبيض الناصع والأسود القاتم … إنها جنة من الألوان والأشجار.. جعلني أستعيد قول ابن عربي “في سوق الجنة من أحب صورة دخل فيها”.
الشجرة كانت ولازالت تثير في كياني إحساسا عميقا بالوجود، وهنا في هذا المعرض كلما أحببت أو تخيلت صورة لشجرة ما تجدها في جنة الأشجار. جنة خوصي انطونيو موراليس المستوحاة في الطبيعة المدارية البيروفية بتفرعاتها الغارقة في تشعبات الزمن السحيق، وهو ما أضفاه عليها الفنان حين ارتأى إعطائها حلة لونية زاخرة بالغرابة والسحر (الفانتا ستيك). فأصبحت ناطقة بعبارة النفري “كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة”.
لم يسبق لي أن شاهدت اللون الأسود بهذا الانفجار إنه السواد المذهل المتجاوز لطبيعته إنه اللون الفادح، حين تحتضنه تخوم اللوحة… سواد ليس كالسواد المعتاد رؤيته، إنه سواد غارق في الغرابة والسحر … قلق، يشي بأشياء وأجزاء كثيرة … بعنف الطبيعة المتوحش ووداعتها في بدايتها في نفس الآن … قد تكون هذه الشجرة قد انبثقت من جنة الخيال لتتحطم على صخرة الطبيعة في هذا الكوكب الأرضي.
إنه سواد براق بروتوشات بيضاء بين ثناياه … إنه سواد السديم في انبثاقه وانفجاره هباء.. إنه رذاذ السواد المدمر للعدم.. إنه اللون الحقيقي ولا شيء غير ذلك.
إنه اللون الذي يعلو على نفسه، استطاع كوكو موراليس وهو يناشد الخيال أن يريق دم السواد بعيدا في البعيد في وجه العدم ليشيد هوية متوحدة موغلة في التوحش والبراءة، إنها هوية الوجود في اللاوجود …
إن موراليس علمني أن أعشق صورا كثيرة حول شيء غير التي توجد على الأرض.
المصدرقناة العرب تيفي