العرب تيفي - محمد بلغريب
الدوحة – أكد يونس مجاهد رئيس الاتحاد الدولي للصحافيين، أن الاتحاد ينظم نقابات الصحافيين، وأن عمله في مجال حرية الصحافة والإعلام ، يرتكز بالأساس على الأدوار المتعددة التي تقوم بها هذه النقابات في مجتمعاتها، سواء من حيث تنظيم المهنيين للدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية، أو في حماية الصحافيين وكل العاملين في قطاعات الإعلام تجاه ما يتعرضون له من اعتداءات وتعسفات ومضايقات أثناء ممارسة واجبهم المهني.
وأوضح يونس مجاهد في مؤتمر الدوحة ،في جلسته الافتتاحية، باسم الاتحاد الدولي للصحفيين الذي يضم نقابات وجمعيات المهنيين في الصحافة والإعلام، عبر العالم، والذين يقدر عددهم في الاتحاد بحوالي 600 ألف صحافية وصحافة ،أن الاتحاد يعتبر أن الدفاع عن حرية الصحافة ركن من أركان عمله ، لأنه لا يمكن تصور أي مجتمع ديمقراطي ، دون وجود صحافة وإعلام مستقلين عن نفوذ السلطة والمال، لذلك نرافق ونقود مع تنظيماتنا عبر العالم، نضالات متواصلة لتغيير القوانين التي تحد من حرية الصحافة ونسعى إلى أن تكون كل وسائل الإعلام، سواء كانت مملوكة للقطاع الخاص أو الدولة، في خدمة التعبير الحر والحق في الاختلاف والتعدد ، وأن تقوم بواجب الخدمة العامة، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية و أخلاقيات مهنة الصحافة .
واعتبر يونس مجاهد ، أن ممارسة حرية الصحافة جزء أساسي من حرية التعبير، بمفهومها الشامل، التي تعني حق كل مواطن في اعتناق الآراء وتلقي الأخبار والأفكار ونشرها وبثها… لكن ممارسة حرية الصحافة تقتضي كذلك الخبرة والكفاءة والمهنية.
غير أنه إذا كان في السابق امر ممارسة حرية الصحافة عبر النشر والبث ، محدودا في الوسائل التي أصبحت تسمى اليوم كلاسيكية، فإن حق ممارسة حرية التعبير والنشر والبث أصبح متاحا لكل مواطن، و ذلك بفضل التطور الهائل الذي تشهده تكنولوجيات التواصل الحديثة. و يمكن أن يعد هذا ثورة كبرى مشابهة لتلك التي أحدثها اكتشاف المطبعة ، في مسار وتاريخ البشرية.
وأبرز يونس مجاهد أن الثورة فتحت إمكانيات كبيرة لتطور حرية التعبير ، وسمحت لكل من يرغب في المشاركة بالنشر والتعليق ونقل الأخبار والأحداث والمواقف ، ولذلك شكلت فتحا هائلا لصالح النشطاء السياسيين الحقوقيين وغيرهم من الذين يرغبون في التعبير عن أفكارهم وتصريفها، ورغم التحديات التي خلقتها للصحافة الكلاسيكية ، فإنها أتاحت لها إمكانيات جديدة في وسائل وطرق عملها.
وأضاف يونس مجاهد، أننا كنا مدركين في الفيدرالية الدولية للصحفيين لهذه التحديات، لذلك خصصنا لها دراسة دولية من خبراء عبر العالم، وعرضنا خلاصاتها في مؤتمرنا الذي نظمه الاتحاد في مدينة كاديس الاسبانية سنة 2010 ، حيث اعتبرت الدراسة أن تكنولوجيات التواصل الحديثة، تشكل فرصة لتطور الصحافة والإعلام، لكنها في نفس الوقت تطرح مشاكل بنيوية، مرتبطة بطبيعتها سواء في المنافسة القوية للإعلام الكلاسيكي، وخاصة الصحافة الورقية، وكذلك تقليص حصة الإعلانات في هذه الصحافة، وخطورة سيطرة الشركات الكبرى على الفضاءات الصحافية والإعلامية، وسيادة سلطة المال على هذا المجال، مما يهدد استقلالية الصحافة والديمقراطية.
وأكد يونس مجاهد ، أن الوعي بهذه التحديات يستوجب العمل الجماعي، لحماية مهنة الصحافة، لان صحافة المواطن لا يمكن أن تشكل بديلا عن العمل المهني، الذي يعتمد على الخبرة والكفاءة والخضوع لمعايير المهنة والأخلاقيات المتعارف عليها في الصحافة.
واعتبر يونس مجاهد ، أن تقوية العمل النقابي في مجالات الصحافة والإعلام لحماية مهنة الصحافة، ضروري ، لان المجتمعات ، لحد الآن، لا يمكنها الاستغناء عن هذه المهنة، كما أنه من واجب الحكومات التدخل للحد من سيطرة المال واحتكارات الشركات الكبرى للحفاظ على استقلالية الصحافة والإعلام. الآن، وبعد مضي عشرة سنوات على مؤتمر كاديس، يتوضح بما لا يدع مجالا للشك ان لهذه الأسئلة راهنتيها، لكن في سياقات جديدة وتطورات متسارعة ، مازالت متواصلة، بل ربما تتعقد أكثر من السابق.
وقال يونس مجاهد ، أن التكنولوجيات الحديثة في التواصل ،ساهمت في تطوبر النضال الديمقراطي، خاصة في البلدان التي لا تتوفر على صحافة حرة وعلى تجارب ومؤسسات ديمقراطية، غير أن النشطاء السياسيين الحقوقيين الذين استفادوا من هذه التكنولوجيات ، اصبحوا يتعرضون للتضييق والاضطهاد، مما يستوجب التقدم في وسائل حمايتهم، واعتبار هذه المسألة حيوية وذات أولوية، لدى كل المدافعين عن حقوق الإنسان، و من بينهم، خاصة نقابات الصحافيين، التي ينبغي أن تساهم بدورها في تعزيز حرية التعبير.
وأكد مجاهد ، أن بعض الحكومات تلجأ لأساليب التضييق والقمع، للحد من قوة وانتشار الأخبار والأفكار المناقضة لسياستها ، فإن العديد من الحكومات ومجموعات الضغط والمصالح أصبحت تلجأ كذلك لأساليب أخرى في استعمال سلبي لحرية التعبير عبر الوسائط الرقمية ، وذلك بتمويلات ضخمة لتمرير دعايتها، عبر استعمال العديد من التقنيات لتضليل الرأي العام وإغراق الفضاء الرقمي بالدعاية والإشاعة، وأحيانا مهاجمة المعارضين، باستعمال مكثف لهويات مزيفة وللجيوش الإلكترونية و”الروبوات” وغيرها من وسائل التأثير الاصطناعي. بالإضافة إلى كل هذا ، فإن المنصات والشركات الكبرى في مجالات التواصل الرقمي، أصبحت تنتج مختلف الوسائل لتسهيل هذه العمليات، ولا يهمها سوى ما تحققه من أرباح.
وأضاف يونس مجاهد أن ، هذا الوضع سمح بتطور ما يسمى بالفايك نيوز والمحتويات السيئة في التعبير والنشر والبث ، كما تم استغلال هذا التطور في التكنولوجيات الرقمية ، من طرف الجماعات المتطرفة لنشر خطاب الكراهية والعنصرية وغيرها من المضامين التي تناقض حرية الرأي والحق في الاختلاف والتعددية والمساواة. بل أكثر من ذلك، فقد تم استغلال الوسائط الرقمية لتمرير خطابات السب والقذف والتجسس على الحياة الخاصة للناس ، وهي ممارسات أصبحت مقلقة، تتضاعف آثارها المدمرة باستمرار.
وأكد يونس مجاهد ، على ضرورة حماية الحق في التعبير كحق أساسي من حقوق الانسان، فإننا مطالبون كصحافيين ونشطاء ومسؤولين في منظمات أن ندرك الأهمية القصوى ، التي تكتسيها مسألة مواجهة الاضرار الجانبية للتكنولوجيات الحديثة في التواصل. وعلى الصحافة الجيدة ن تلعب أدوارا طلائعية في ذلك، ولا يمكن أن نقبل استغلال الاضرار الجانبية، كمبرر يتيح لبعض الحكومات التراجع عن الحريات أو تكريس سياسة التضييق عليها.
وختم يونس مجاهد مداخلته ، أنه لكل تقنية ميتافيزيقية، أي أبعادها الفلسفية والأخلاقية وتأثيراتها على السلوك البشري وعلى العلاقات الاجتماعية، وهو ما يحصل مع الثورة الرقمية، لذلك فنحن مطالبون بالتعامل معها، والمساهمة في حملات تخليق استعمال هذه الوسائط، والبحث عن سبل التقليص من هذه الأضرار الجانبية، وإصلاح الأخطاء، وتطوير الصحافة والمضامين ذات المصداقية، كما من واجبنا أن نعتبر التربية على الإعلام حق من حقوق المواطن ، في عالم تتطور فيه التكنولوجيات الرقمية بشكل لا يمكن التنبؤ بما سينتج عنها. وعلى الصحافة الجيدة أن تلعب دورها في تعزيز حرية التعبير والمساهمة الفاعلة في الفضاء الرقمي، أي مرافقة التحولات والمساهمة الإيجابية فيها.
المصدرصحيفة العرب تيفي