(العرب تيفي ) – بيروت – أجرى الحوار – محمد حميدة
قال الوزير غسان حصباناي، نائب رئيس مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال بلبنان، إن المخرج الأنسب والأفضل من الأزمة الراهنة في لبنان يتمثل في تشكيل حكومة تكنوقراط، دون أي تمثيل سياسي.
وأضاف في حواره مع “سبوتنيك”، أخيرا أن الشرط الوحيد الذي ربط بالمساعدات للبنان، يتعلق بالإصلاحات البنيوية الاقتصادية والإدارية، بما يضمن تعزيز الشفافية وتخفيف كلفة القطاع العام، وإدارة الدين بشكل جيد، وإدخال أطر قانونية لإتاحة منافسة عادلة للمستثمرين والاستثمارات. وتعميما للفائدة يعيد موقع (قناة العرب تيفي ) نشر نص الحوار .
سؤال : ما حقيقة ما يتردد في الإعلام بوجود تأثيرات خارجية لتوجيه الأوضاع في لبنان؟
– الأولوية اليوم وما يمكن أن ينقذ المشهد هو تشكيل حكومة قادرة على إيجاد حلول سريعة وعملية للوضع الاقتصادي والمالي، وبالتالي فإن العلاقات الخارجية مع لبنان مبنية على قدرة المجتمع الدولي على مساعدة لبنان بالنهوض بالأزمة الاقتصادية والمالية، وهذا لن يتحقق دون حكومة تحظى بثقة المجتمع الدولي والمواطنين اللبنانيين، وتحظى بغطاء سياسي من ناحية التهدئة السياسية حول تشكيل الحكومة، وتكون من أخصائيين. كما أنه على المكونات السياسية اللبنانية أن تؤمن لهذه الحكومة الاستقرار.
سؤال : هل هناك حاجة لأن تكون المكونات السياسية داخل الحكومة حسب ما يتردد في الأوساط اللبنانية؟
-في هذه المرحلة من الأفضل أن تكون الحكومة مستقلة، على أن تؤمن كافة المكونات السياسية في لبنان الأوضاع لها، من أجل الاستقرار من الخارج دون أن تكون ضمنها، خاصة أن هذه الحكومة عليها اتخاذ قرارات قد تكون صعبة، وإذا كان فيها من السياسيين الخائفين على شعبيتهم لأجل انتخاباتهم في المستقبل، سيترددون في بعض القرارات، وقد تفشل الحكومة بهذا الوضع، ولذلك نقول أنه من الأفضل أن تكون حكومة من الأخصائيين المستقلين، وتوفير التهدئة السياسية من حولها لتقوم بأعمالها بشكل جيد، وتحصل على ثقة المجتمع الدولي وثقة الشارع اللبناني.
سؤال : البعض يربط وجود وزراء يمثلون الكتل السياسية وتحديد سياسة لبنان الخارجية ويعللون التمسك بوزراء سياسيين من هذا المنطلق، فما موقفكم من ذلك؟
-أولا هذا الحديث ليس عمليا، خاصة أنه في السنوات الماضية كان جميع الأفرقاء في الحكومة، ولم تكن الحكومة تحدد أي سياسة خارجية بل كانت مختلفة، حيث كان وزير الخارجية يحدد سياسته بنفسه مع حلفاءه، وكان مجلس الوزراء لا يناقش هذه السياسات، وأنا كنت وزيرا لمدة ثلاث سنوات ولم نناقش ليوم واحد السياسة الخارجية اللبنانية على طاولة مجلس الوزراء، السياسية الخارجية اللبنانية رسمت في البيان الوزاري وكان ذلك النقاش الأخير، حيث كانت الحكومة تتفادى النقاش السياسي وتتجه للنقاش العملي، وبالتالي فإن تحديد السياسيات الخارجية يحصل بحكومة مجتمعة.
وما أريد قوله إن السياسة الخارجية لن تنفعنا في الستة أشهر المقبلة، إذا انهار الاقتصاد اللبناني والقطاع المالي اللبناني، ولذلك فإن الحديث عن السياسة الخارجية يتخذ كذريعة لتسييس الحكومة وإدخال جهات سياسية داخلها، حماية لنفسها أكثر من أي شيء أخر، ومن أجل استمراريتها في المشهد.
سؤال : بذلك هل يمكن القول بأن تشكيل حكومة من الاختصاصين لن تضر بأي كتلة سياسية في لبنان على عكس ما يتردد؟
– بالطبع فإن الأولوية هي اقتصادية نقدية في الوقت الراهن، وإلا لن تنفع السياسة بأي حال إذا انهارت الأوضاع على رأس الجميع، لذلك يجب أن تسلم الأمور للأخصائيين ليقوموا بإصلاح الوضع.
ولا يجب أن نتجاهل أن هناك مجلس نواب يمثل كافة الكتل السياسية وعلى المستوى الشعبي، وإذا كانت هناك ضرورة لإجراء انتخابات على مستوى مجلس النواب فلتحصل، إلا أن مجلس النواب يحاسب الحكومة على سياساتها ويضمن المعادلة كاملة.
ومع التأكيد على الدستور اللبناني، فإن الدولة بحاجة إلى حكومة لفترة زمنية انتقالية تكون مركزة على ذوي الاختصاص بالوضع المالي والاقتصادي.
كما أن المستوى الأمني يعمل عليه مجلس الدفاع الأعلى برئاسة رئيس الجمهورية والأركان وبعض الوزراء المختصين، كما أن الوضع المالي تعمل عليه الحكومة مجتمعة.
سؤال : ما حقيقة ربط بعض شروط المساعدة للبنان بتقديم تنازلات بشأن ترسيم الحدود والمناطق النفطية مع إسرائيل؟
– الشرط الوحيد الذي وضع على المساعدات للبنان، يتعلق بالإصلاحات البنيوية الاقتصادية والإدارية، بما يضمن تعزيز الشفافية تخفيف كلفة القطاع العام، وإدارة الدين بشكل جيد، وإدخال أطر قانونية لإتاحة منافسة عادة للمستثمرين والاستثمارات.
لا يوجد أي ضغوط قبل الاحتجاجات أو بعدها، هذه فقط تصاريح نسمعها تبث لتصور وكأن هناك مقاربة من المجتمع الدولي للضغط على السياسية الخارجية اللبنانية، أو على الوضع العام في لبنان وهو ليس صحيحا.
اليوم وإن كنا نطلب مساعدات مالية من المجتمع الدولي، فأقل ما يمكن أن يطلبوه بالمقابل هو شفافية استعمال هذه الأموال، ولا يوجد أي مؤشر من أي دولة لاشتراطات أكثر مما ذكرناها وهي تتعلق بالإصلاحات.
سؤال : استمرار الوضع على ما هو عليه يهدد لبنان بالدخول في مرحلة حرجة فكيف تنظر الأطراف السياسية لهذا الوضع وهل تدرك خطورة المرحلة المقبلة؟
– نعم هناك من يدرك ذلك، لكن هناك من يعطي اولويات لأمور أخرى، ويبدو وكأنه ببعيد عن الوضع المالي والاقتصادي، لكن الأولوية يجب أن تكون في تطبيق الدستور والدعوة لاستشارات نيابية من قبل رئيس الجمهورية لتسمية رئيس الحكومة وإعطاءه المهمة لتشكيل الحكومة والقيام بالعمل المطلوب منها، وأي تأخير في هذا المسار، فيجب أن يعي الجميع أنه يضر بالوضع المالي والاقتصادي، خاصة أنه بدأ بالتدهور من قبل انطلاق الحراك.
كما تجب الإشارة إلى أن التأخر في الحل سيصعب من فرص الحل، ويتطلب المزيد من الوقت، ولذلك تبقى الأولوية للاستشارات النيابية وتشكيل الحكومة، وأن من يعي ذلك يدرك أن الوقت ليس في صالح لبنان.
سؤال : أيهما أقرب للتوافق… حكومة من الاختصاصين، أو حكومة اختصاصين مع الاحتفاظ بالوزارات السيادية وتمثيلها سياسيا؟
– أريد أن أتحدث بالمنطق وليس بالسياسة، ما هي الوزارات السيادية وما دورها؟… وماذا يمكن للوزير منفردا أن يقوم به في وزارات سيادية لا تتطلب قرارات جامعة في مجلس الوزراء؟… الوزير هو مسؤول عن وزارته وإدارتها، لكنه ليس مسؤولا عن اختيار السياسات العامة وتطبيقها دون العودة إلى مجلس الوزراء، أو سن قوانين في مجلس النواب على الأقل، لذلك ليس هناك من قيمة لاختيار وزارات بعينها وتمثلها سياسيا.
أما إذا كانت القيمة هي إيجاد بعض السياسيين داخل مجلس الوزراء لتعطيل بعض القرارات التي تضر بهم أو بشعبيتهم فقط، فإنه من الأجدى لهم أن يكونوا خارج الحكومة، وليس داخلها.
وفي حال إذا كانوا داخل الحكومة لعرقلة الإصلاحات، أو عرقلة بعض الأعمال التي يجب أن تقوم بها الحكومة فلن تنجح المهمة وستفشل الحكومة، وهو ما حصل في السابق، وبهذا الشكل لن نكون قد اتجهنا نحو أية حلول أو أجرينا أي تغيير.
لذلك لا أرى سببا وجيها ولا منطقيا التمسك بوزراء على رأس وزارات سيادية أو غير سيادية، إلا النية للتواجد على طاولة مجلس الوزراء لتعطيل بعض القرارات أو الضغط باتجاه قرارات معينة، وذلك لن يساعد الحكومة بل سيضر بها.
سبوتنيك: هل بات المخرج الوحيد من الأزمة هو تشكيل حكومة تكنوقراط؟
أعتقد ذلك، وليس الحل الكامل بل هو جزء من الحل الوحيد، خاصة أن هناك خطوات وعوامل أخرى، يجب الحرص على تأمينها منها الاستقرار السياسي والأمني لتمكين الحكومة من القيام بمهامها، والتعامل مع الدول التي ستدعم لبنان وكذلك المؤسسات الدولية النقدية، وإلا سيطول أمد الأزمة أكثر وأكثر بما يدخل لبنان في متاهات أكبر مما هو منظور في هذه المرحلة.
ما هي رسالتك التي توجهها للحراك والحكومة والأحزاب في الوقت الراهن؟
ما أقوله لهم أن الوعي هو الأساس، وأنه إذا أردنا الخروج من الأزمة التي تطال الجميع، منها حتى القواعد والأحزاب السياسية، علينا أن نعي ما هي الحلول الحقيقية المطلوب، ونعمل على الأولويات، وألا نضيع الهدف الأساسي، وأن تمنح الحكومة الجديدة الدعم الكافي من كافة الأطراف للقيام بالمهمة الموكلة لها.
سبوتنيك: استبقتم استقالة الحكومة بتقديم استقالتكم…فما هي الأسباب التي دفعتكم لهذه الخطوة؟
في الحقيقة كنا ندرس هذا الموضوع منذ فترة، منذ دخولنا في نقاش الموازنة، ولم نرض على الاتجاه الذي كانت تسير فيه الموازنة، من ناحية نوعية وكمية الإصلاحات التي نوقشت، وكذلك لم نرض على بعض الرسوم والضرائب في المرحلة الأولى، وكان لدينا ملاحظات كبيرة، كما كنا باتجاه رفض الموازنة، في حين رفضنا المشاركة بالاجتماع الأخير الذي حصل خارج مجلس الوزراء للتوافق على البنود الخاصة بالموازنة، وعندما رأينا الحراك يبدأ، لم نكن على استعداد للاستمرار ليوم واحد في الحكومة، خاصة أننا لم نرض على أدائها، وفي نفس الوقت قررنا أن نكون على بينة واضحة، ونحترم رأي الناس بشكل كبير الذي كان يشابه إلى حد كبير رأينا.
على سبيل المثال، أن الطلب الخاص بحكومة أخصائيين فإن الدكتور سمير جعجع طرح هذا الأمر في الاجتماع الذي حصل في قصر بعبدا للقوى السياسية كافة، منذ أشهر وقال إن الوضع الذي وصلنا إليه يحتاج إلى حكومة غير سياسية، وأن تكون حكومة إنقاذية، وعندما رأينا بداية الحراك كان القرار بأنه لا جدوى من الاستمرار في الحكومة وخرجنا منها.