الكاتب الأردني نايل حسن العجارمة : رسائل بللها المطر
4 ديسمبر 2021171 مشاهدة
الكاتب :نايل حسن العجارمة
امينة : رسائل بللها المطر
الرسالة الثانية :
بعد اربعين عاماً يكتب احمد في مذكراته: (في قريتي الوادعة يُمنع الإلتفات حتى لا تضِلَّ الطريق.. وكذا يُمنع الحب حتى لا تُشعِل حريقاً.. وتُحرم الطيور من ان تقع على اشكالها.. وفي قريتي الهادئة تسكن امينة.. فيصبح لكل شيء نكهته الخاصة.. للربيع طعمٌ آخر.. وللطرقات الضيقة رحابة الدنيا بأسرها.. وللأسوار القديمة قصص وحكايات.. وللحب طقوس. الحب لا يعرف الا امينة.. ولا يتسنّى له ان يعيش الا لها.. والدفاتر العتيقة مذيّلة بإسمها الذي يختزل نساء الارض ويحتل الصدارة. امينة كانت اجمل الملكات في تاريخ الارض.. وفي تاريخي.. وعلى مدى العمر إن طال او قصُر فلن يجود الزمن بمثل أمينة مرة أُخرى).
ليل احمد الطويل اصبح اكثر ثقلاً وجبروتاً.. هو يحاول ان يولّف الراديو على موجة الساعة السادسة والنصف مساءً.. ام كلثوم تشدو: اغداً القاك؟ يا خوف فؤادي من غدِ.. يا لشوقي واحتراقي بانتظار الموعد. يضع القصاصة ذاتها على الطاولة.. ويقرأها مراراً وتكراراً.. ليس هناك ما يمكن ان يضيفه.. الا انه قرر ان يرسم سهماً يخترق القلب الذي يحيط بإسم امينة.. ثم يضع حرفه الاول في بداية السهم.. وحرفها في نهايته.. ويغلق الرسالة.
يحدّث نفسه: (غداً سأكون اكثر جرأة.. سأقف في منتصف الطريق .. وسأخرج الرسالة على الملأ واضعها في راحة يد امينة وليكن ما يكون.. غداً ستقوم حرب داحس والغبراء.. ليكن. انا سأشعل حرباً.. لكنني سأنتصر لقلبي..).
وينام احمد وقد تأبّط حبّاً وشراً.
المطر اليوم اكثر غزارة.. لكن احمد ماضٍ في نيّته لاشعال فتيل الحرب.. يقف تحت سيل المطر ينتظر امينة.. ثم يدعو الله ان تأتي من غير رفيقاتها.. هي لحظات وتنفرج الطريق عن امينة.. تمشي ذات المشية.. وهي بنفسها لا يرافقها احد.. ينتفض قلبه الصغير للحظة الحسم.. يشير بخجل الى امينة من بعيد ليشعرها انه يحمل لها قرار الحرب.. وامام عينيها يضع القصاصة على حجر ويتنحى جانباً بانتظار اعلان المواجهة الكبرى.. تقترب امينة اكثر.. وعلى بعد خطوات تلتفتُ اليه غير آبهة ان تضلّ الطريق.. تعقد العزم هذه المرة على التقاط قصاصة الورق المبللة.. لكنها تصرُّ على الإلتفات الى الخلف لتتأكد ان احدّاً لا يراها.. على مرمى بصرها هناك مجموعة من الطالبات.. الموقف لا يسمح.. فترتجف وكأن حظها العاثر يجنح بها الى قاع الوادي.. لكن ذلك كان كافياً ليعيدها الى سيرتها الاولى.. وتكاد تتعثر امينة وهي تتجاوز القصاصة المركونة بين حجرين.. وتبقى الرسالة المبلّلة في ذات المكان.. لعل موعد التقاطها لم يحن بعدُ.
– ترقبوا نشر الرسالة الثالثة في السبت القادم