الكاتب : حميد المرزوقي
ونحن نستقبل السنة الجديدة 2022، ندخل في حيز السنة الثالثة على التوالي التي تعيشها بلادنا وباقي دول العالم تحت ضغط جائحة كوفيد 19، وما ارتبط ويرتبط بها من إجراءات وتدبير للمخاطر la gestion du risque ذات الصلة، لتجنيب المواطنات والمواطنين من آثارها الجانبية، وفي هذا السياق تعددت المقاربات والآراء والرؤى، فمنها المبنية على تجارب ميدانية، ومنها المبنية على دراسات أكاديمية، بيد أن ما يطبع هذه التجارب والدراسات هو سعيها الحثيث لإبداع أنجع السبل لتطويق الجائحة لضمان الصحة العمومية، و بإلقاء نظرة سريعة على التجارب المكتسبة عبر العالم يتأكد يوم بعد يوم أن المقاربة النسقية l’approche systémique المبنية على تدبير نسقي gestion par processus هي أكثر نجاعة من التدبير الاجرائي gestion par procédure لأنه وبكل بساطة يعمل اسلوب الانساق إلى التأسيس لثقافة جماعية لتدبير أية ظاهرة، بينما تعمل المقاربة المسطرية على إصدار تعليمات ومساطر جافة ويعهد بتنفيذها للإدارة الترابية او منظومة الصحة العمومية، وقد أكدت التجربة أن التقيد بالمساطر والتعليمات، غالبا ما يخلق نفورا لدى المواطن ويجعله يخلق الأعذار والحيل لتجنب تنفيذ التعليمات، وهو ما يؤكد ضرورة اتباع المقاربات الحديثة التي تعتمد على انخراط المواطن في كل المراحل وفق نسق مدمج يجعل من تدبير المخاطر الحالة بالمجتمع أو من المحتمل حلولها به مسألة جماعية، تقتضي وعيا جماعيا وثقافة جماعية لمجابهة الظواهر الطبيعية بما فيها الكوارث والأوبئة، غير أنه وللأسف بدل أن نعبيء كل الامكانيات لتأطير المجتمع وتحصينه، تفاجؤنا بعض الأصوات التي بدعوى الدفاع عن حرية الرأي والحقوق الفردية من قبيل ما ذهب له بعضهم المتمثل في رفع شعار أن “جسم الفرد هو ملك له يحق له أن يعمل به مايريد ” وهو ما أدى إلى آثار عكسية جعلت البعض يرفض الأمثال لتعليمات السلطات العمومية المتعلقة بجواز التلقيح واحترام التباعد الجسدي في الأماكن العمومية واستعمال وسائل الوقاية كالأقنعة والكمامات، في الوقت الذي كان من الممكن تجنب هذا الوضع بفتح نقاش عمومي دائم لتسليط الضوء على بعض الثوابت المرتبطة بالدولة والتي لا تقبل القسمة على إثنان، حتى في الدول الديمقراطية العريقة، وبالأخص النظام العامlordre public بمفهومه الثلاتي: الصحة العمومية la salubrité publique والسكينة العمومية
la tranquillité publique والأمن العمومي la sécurité publique إذ أن الأشياء المتعلقة بالنظام العام لا يمكن بأي شكل من الأشكال التسامح فيها لأنه وحتى طبقا لمقتضيات القانون الدستوري تفرض حالة الاستثناء لثلاث:
1- إذا كان أمن الدولة مهدد داخليا او خارجيا؛.
2-إذا كانت سكينة المواطن مهددة؛
3- إذا كانت صحة المواطن مهددة.
كما يمكن للسلطة العمومية المختصة ان تقوم بحضر اي نشاط قد يمس بأمن وسكينة وصحة المواطن، لذلك اكبر درس يتعين علينا أن نتلقف هو التأسيس لثقافة جماعية ووعي جماعي بضرورة تحصين المجتمع من النقاشات التي قد تؤدي به إلى التصدع والانشطار والتفسخ.
-حميد المرزوقي : كاتب مغربي
المصدر: قناة العرب تيفي